أقلام حرّة

مجدي سبلة يكتب.. ( وعي.. الشيوخ )

 

كاتب صحفي

ورئيس مجلس إدارة دار الهلال السابق

عندما انفعل الرئيس السيسي مرة أثناء الندوة التثقيفية منذ عامين قائلا (إعرف ثم تكلم ) وكان السياق ردا على الشائعات التى تهدف إلى تفكيك الدولة ومحاولات بث الوعي الزائف للشعب بهدف إحباطه.. 

أخيرا وجدنا رد الفعل لما يقوله الرئيس في مجلس الحكماء أو كما يسميه الدستور مجلس الشيوخ حيث تقدم قبل يومين الدكتور ياسر الهضيبي عضو المجلس بطلب مناقشة حول قضية (الوعي ) بعد أن شاهد شائعات وروافد جديدة تدخل على ثقافتنا ولاحظ فنا هابطا يسيطر على شبابنا وبناتنا وتغير في عادتنا وسلوكياتنا وطلب النائب باستنهاض المؤسسات الثلاثة المدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام قبل فوات الأوان، إذا كنا نريد بناء هذا الوطن ونحقق التنمية الشاملة وهذا لا يتحقق إلا بالوعي ..

وهنا ندعو المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس مجلس الشيوخ الاستجابة السريعة وعمل دراسات وبرامج تطبيقية على الأرض لمعالجة قضية الوعي ..

وهنا نجد لأول مرة يشعر المصريين بوجود مجلس شيوخ أو حكماء الدولة المصرية .. هذه القضية لفت الرئيس الأنظار لها منذ

ثلاثة سنوات

وتحديدا خلال الندوة التثقيفية الـ29 للقوات المسلحة ، تضمنت عدة رسائل أبرزها بناء الوعي ،و شرح الصورة الكلية للواقع الذي نعيشه و فهم التحديات التي تواجه المصريين ، هذه الرسائل التي خرجت من قلب الرئيس باعتباره إنسانا يحب بلده بعيدا عن موقعه كرئيس للدولة.

وعندما نقرأ هذه الرسائل التي حددها الرئيس نجد انها تزيل رمادا تراكم علي قضايا مصيرية في مجتمعنا المصري لابد من مواجهتها مهما كان الثمن لأن الوعي المنقوص أو المزيف كما يقول الرئيس يجر البلاد الي الهاوية في الوقت الذي يجب أن تتضافر فيه كل الجهود لبناء وعي المواطن وإعادة تصحيح الصورة الذهنية له عن الدولة والقضايا التي تحيق به لكي يصبح هو حائط الصد الأول لأي فهم خاطئ أو شائعة تنال من تقدم الدولة .

ولأن مفهوم الدولة المستقرة التي يشعر بها المصريون الآن لابد من توضيحه بعد ان كانت تعاني من حالة عدم استقرار منذ أحداث 2011 وهو ما حاول ان يعمل عليه الرئيس في إعادة تثبيت أركان الدولة وبناء مشروعها الوطني والحفاظ علي مؤسساتها وإعادة بنائها من جديد مع الحفاظ علي هويتها الوطنية وكان تثبيت أركانها هي الضمانة الوحيدة للحفاظ عليها وبناءها مدنيا كان من الأهداف الاستراتيجية التي حرص عليها الرئيس من خلال منجزات علي ارض الواقع ومواجهة الارهاب الاسود الذي عشش في سيناء الفترة الماضية .

وعندما يريد الرئيس توضيح الصورة الكاملة للشعب حول الواقع الذي تعيشه الدولة بهدف الحكم الواقعي علي الماجريات وإعلاء قيمة الخوف علي البلد و علي ما يتم إنجازه من بناء للمشروعات القومية حتي لا يضيع وسط الوعي المنقوص او المزيف والذي يعطي مساحة لأعداء الوطن من الداخل لهدم ما يتم من انجاز وبناء .

ولذا كان الرئيس مبكرا يطالب النخبة والمثقفين والإعلام والمؤسسات التعليمية والمسجد والكنيسة والشعب أن يفهم حجم التحديات التي نواجهها وكيفية مواجهتها ومعرفة حقيقتها بعيدا عن الكلام البعيد عن الواقع واستشهد بتحدي مثل قضية الزيادة السكانية وقتها التي تواجه خطط التنمية ومستقبل هذه الدولة موجها كلامه لهذه النخب كي يركزوا رسائلهم للمجتمع بفهم وإقناع وطرح الحقائق كاملة ووضع الحلول جلية امام الناس .

ومن هنا علينا ان نعرف الفارق بين الوعي الحقيقى والوعي المغلوط الذي ينطلق من سلوك الناس من جملة المفاهيم التي يحملونها والأفكار التي يطبقونها ، وهذه الأفكار عادة في الوضع الطبيعي تكون ناتجة عن إدراك حقيقي لها ولأهدافها وأبعادها في كل المجالات التي قد تدور في فلكها بدءا من الذات والفطرة وانتهاء بالأنظمة المجتمعية والسياسية والاجتماعية والثقافية وبالتالي فهي تحكم تصورات الناس حول الموضوعات المختلفة ، فيختلفون فيما بينهم في الرؤى والأهداف والسلوك ، لأنهم في الأصل مختلفون في الأفكار والمفاهيم .

كما تساهم الأوضاع الثقافية بشكل عام في صناعة الوعي المجتمعي ، على الرغم من أن صياغة أفكار المجتمع تبدأ بشخص صاحب رؤية ومنطق وبعدها تصبح تلك الأفكارُ فرديةُ المنشأ جماعيةَ التوجه ، وشيئا فشيئا يزداد المتوافقون على صحتها ، ومع تناغم الأفكار وتلاقيها وتشعبها يغيب الفرد وتحضر الجماعة وهنا تصبح صانعة للوعي الكلي الذي يميزها ، وهو ما عرف بالوعي الجماعي ، وهنا ينبغي علي النخب والمثقفين والمؤسسات أن تشكل وعيا سليما يتماشى مع فهم واقع للدولة بصورة كلية وليست رؤى احادية تعبر عن شخص أو موقف .

لأنه عندما لم ينضج الوعي الحقيقي ، فالمجتمع يعيش وعيا مزيفا ويمكن للأجهزة المعادية صناعته بالكثيرَ من الأدوات التي تجعلنا نقتل بعضنا البعض ونهدم انفسنا بأيدينا ويعدُّ الدين وتوظيفه بشكل غير سليم من أشد تلك الأدوات خطرا وإذا ما تضافرت المؤسسات ستكون الكارثة ويعيش افراد الشعب في وعيا مزيفا وفي تقديري أن بناء الوعي يأتي من التواصل بين الشباب وكل فئات الشعب وبين مختلف المؤسسات المعنية بالدولة ، وأن يكونوا مشاركين القيادة و مساهمين في صناعة القرارات التي تخصهم ، وهو ما ينقلهم إلى مستوى أرفع من الإدراك ، الذي يحملهم بالمسؤولية الاجتماعية ، التي تهدف الحفاظ على مكتسبات الوطن والمشاركة في منظومة العمل والتنمية .

وبناء الوعي يأتي كذلك عبر التوجيه والتوعية ، سواء من الجهات الرسمية أو المؤسسات الأهلية ،ووجود آليات للحوار المستمر ، الذي يفتح آفاقا للوعي ، وتوحيد الرؤى ، وهو الأمر الذي يحمي المجتمع من كل محاولات التشويش أو الإرتباك.

علاوة علي دور المدرسة و الأسرة ، التي يتلقى منها الفرد خبراته الأكثر تأثيراً في حياته ، وليس انتهاء بالجامعات التي عليها دائماً أن توفر مناخاً من التواصل بين الشباب والمسئولين ، إلا أن وسائل الإعلام ينبغي عليها أن تكون الحاضر الأكبر في هذا الميدان ، ليس عبر البرامج السياسية فحسب بل من برامج متنوعة.

ولابد أن يكون تكوين الوعي في المواد المقدمة ، بدءاً من الوعي بالتاريخ وما بذله القادة المؤسسون للدولة أو للمواقف السياسية الأشهر ، ووعي بالحاضر والتحديات التي تحيطه ، ووعي بالمستقبل ، وكيف يكون لهم دور في صناعته ، وهو ما يريده الرئيس الامر الذي يستدعي الارتفاع بمستوى الوعى السياسى لدى الجماهير لربطها بالأهداف القومية ، عن طريق تنشيط المواطنين سياسياً وتغيير اهتماماتهم الشخصية ومواقفهم واتجاهاتهم إلى اهتمامات ومواقف عامه..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق