أقلام حرّةاقتصاد وبنوك
متى ينتهى صراع الدول الكبرى حول هيمنة الدولار على العالم

بقلم/ منجى على بدر -الوزير المفوض والمفكر الاقتصادى وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة
يعلم المتابعون للشأن الاقتصادى أن الولايات المتحدة الامريكية خرجت على قاعدة ربط الدولار بالذهب ابان حكم الرئيس الامريكى ريتشارد نيكسون عام 1971 وأصبح الدولار مرتبط فقط بالثقة فى الاقتصاد والقوة الشاملة للولايات المتحدة الامريكية وكذا ربط تسعير البترول بالدولار ونشوء ظاهرة البترودولار ، حتى بلغ الدين العام الامريكى حوالى 32 تريليون دولار ويمثل نسبة 135% من الناتج المحلى الاجمالى لأمريكا.
ومنذ عام 1971 طبعت أمريكا كميات كبيرة من الدولار ورغم الامكانات البشرية الهائلة والثروات الطبيعية الكبيرة والتى تم تقديرها بحوالى 45 تريليون دولار وتأتى بها الولايات المتحدة فى المرتبة الثانية على المستوى العالمى بعد روسيا الاتحادية والتى تقدر ثرواتها الطبيعية ب 75 تريليون دولار، فان أمريكا اعتمدت بشكل شبه كلى على دول العالم فى انتاج السلع مقابل طباعة الدولار .
وقد أدى ذلك لتحول الاقتصاد الامريكى الى اقتصاد خدمى يعتمد فى الاستهلاك على الاستيراد من دول العالم وخاصة الصين مقابل تصدير ورقة البنكنوت الدولارية .
وفى ظل سيادة مفاهيم العولمة وسلاسل الامداد والتوريد العالمية أصبح العالم ينتج لخدمة الامريكان وزاد الامر سوءا بعد تفكك الاتحاد السوفيتى فى نهاية الثمانينات وانفراد أمريكا بقيادة العالم فأصبحت الخصم والحكم فى معظم القضايا العالمية .
وجاء فيروس “كوفيد19” وانتشر بشكل سريع عام 2020 وأغلق مصنع العالم أبوابه وحدثت مشاكل فى سلاسل الامداد والتوريد العالمية ونقص المعروض من السلع والخدمات وارتفعت الاسعار وزادت معدلات التضخم عالميا ، وتبع ذلك الصراع الروسي الاوكراني فى 24 فبراير 2022 الذى عقد الامور فى العالم والدول الغربية التى لم تعودت على رغد العيش فلم تتحمل شظف العيش ، وتخوف الغرب بالكامل من بدء زوال النفوذ على العالم والذى يعود عليهم بفوائد اقتصادية ، وفى المقابل هناك تصميم من روسيا والصين على تغيير النظام العالمى الى نظام متعدد الاقطاب وأيضا انهاء هيمنة الدولار عالميا ويبدو أن التحرك الصينى الروسي بدأ يؤتى ثماره جزئيا ، حيث طلبت العديد من الدول الانضمام الى تجمع “بريكس” والاتفاق على تسوية المدفوعات الدولية بالعملات المحلية ، وهنا ثارت الولايات المتحدة الامريكية وسخرت كل امكاناتها للمحافظة على عرش الدولار باستخدام أدوات نقدية ( أجهزة تنفس صناعى) برفع قيمة الدولار وزيادة معدلات الفائدة بغرض استمرار الثقة فى الدولار كعملة أولى فى العالم .
ويرى بعض الخبراء أن الولايات المتحدة الامريكية لن تستطيع الاستمرار فى استخدام أجهزة التنفس الصناعى للدولار للمحافظة على هيبته وقيمته لاستمرار قبوله عالميا ، وسوف ينكشف المستور عاجلا أو آجلا ، فى حين يرى البعض الاخر، أن الولايات المتحدة تمتلك ثروات طبيعية وبشرية وعسكرية وتكنولوجية هائلة ستحافظ على ريادتها للعالم الى حين .
والتساؤل ماهو رأى القارئ الكريم والخبير الاقتصادى حول مدى استمرار قوة الدولار عالميا ، ومدى نجاح الدول المناوئة للولايات المتحدة الامريكية فى تشكيل عملة جديدة أو وسيلة جديدة (استخدام العملات المحلية) لتسوية المدفوعات الدولية ؟.
ونعرج بالأمر الى الوضع فى مصر ومدى تأثير مثل هذه الآراء والتوقعات على قرارات بعض الافراد حائزى الدولار والذين قاموا بتحويله من عملة يتم تداولها الى مخزن للقيمة ، وهل هناك توقعات بمزيد من ارتفاع الدولار أمام الجنيه ؟
ونقول لمثل هؤلاء مكتنزى الدولار لقد حققت السياسة النقدية المصرية كل أهدافها فى الوصول بقيمة الجنيه المصرى الى المستوى الذى يحفز النشاط الاقتصادى ويزيد الصادرات ويجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية ، ويحجم أو يسيطر على طوفان الاستيراد من الخارج لسلع ضرورية أو غير ضرورية ويعمق الصناعة المحلية لتعظيم الاستفادة من البنية التحتية التى شيدتها مصر فى جذب استثمارات جديدة ، ونرى أنه تم تجميد أى سياسات نقدية جديدة بخفض الجنيه ومن المنتظر أن يتوازن الجنيه أمام العملات الاجنبية قريبا فى ظل الخطوات الاخيرة التى تتخذها مصر اقليميا ودوليا من تقليل الاعتماد على الدولار .
وخيرا فعلت الدولة المصرية حين اشترت كميات من الذهب فى فبراير 2022 لكى يكون ضمن الاحتياطى للجنيه المصرى فى ظل توقعات تذبذب عرش الدولار الامريكى عالميا وهو ماحدث بالفعل خلال اليومين الماضيين من انخفاضه عالميا ومحليا .