أقلام حرّة

فقه الدعوة

 

بقلم الكاتب الصحفي:

إسماعيل أبو الهيثم

 

 

كفى المؤمن جاها أن يكون داعية إلى الله يقف أمام الناس معلما مذكرا بالآخرة و مبينا ما تشابه من الأحكام تاليا لكتاب الله في تدبر وخشوع وفقه وعلم .

 

فهؤلاء يستحضرون معية الله و كفى، و يثقون في وعد الله ، وما أصدق وعده ، فينطلقون إلى منابرهم في كل الأوقات، لا فرق بين ظلمة الليل و انبلاج صبح و حر ظهيرة ، كل أوقاتهم ساعة دوام ، دون تفريط ، مستعذبين التعب والمشقة ، طامعين في الربح الوفير الذي ينتظرهم في آخراهم .

 

فخر لكل من كان ذا همه منهم ، ومن كانت غايته وهدفه في حياته إرضاء الله ، حسبه في ذلك قوله تعالى : ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا  و قال إنني من المسلمين ” و كفى تزكية للقول و للعمل بل و للإنسان ذلك !!

 

فتتم السعادة بالحرص على كل ما يرضي الله ، و يساهم في نهضة أمة مكلومة مجروحة في بنيها ، مابين متشدد قاسي عنيف ، لغته القوة وأسلوبه العنف وسلوكه القتل ، ومابين متراخي ، أوبعيد عن حظيرة الدين ، أو مشغول ومنهمك في السوشيال ميديا ، ومابين ملتزم منضبط فاهم واع ، ندع الله بالهداية للجميع ، وان يرزق الشباب والناشئة حب الدين والاعتدال في الفكر والتوجه والسلوك ، كما ندعوه سبحانه أن يعين الدعاة ليأخذوا بأيد الشباب والناشئة لما فيه مصلحتهم ومصلحة وطنهم ، لأن في قوتهم قوة وعزة وانفة لوطنهم وأمتهم ، وفي ضعفهم وتخلفهم وتخاذلهم وهوانهم ، هوان للدولة وضعف لأهم مكيناتها .

 

فالهمة الهمة دعاة الإسلام علي تلكم الرسالة والمهمة الشاقة ، لست في حاجة أن أذكركم بأنكم ورثة الأنبياء ، وأنكم أوثق الناس بميراث نبيكم ، فأنتم تدعون إلي الله امتداداً لدعوته ، من هنا تأتي أهمية وعظمة مهمتكم وخطورة دوركم وقداسة دعوتك.

ومن هنا أيضا ، تعقد عليكم دولتكم أكبر الآمال لتقوموا بدوركم في عملية التنمية الروحية التي هي الدعامة الرئيسية لكل عمليات التنمية ، وذلك لأن الإنسان هو محور كل تنمية . وليس خفي علي حضراتكم أننا في أمس الحاجة إلي ذلكم الإصلاح الروحي والخلقي القائم على منهاج ديننا الحنيف وتعاليمه الإنسانية العادلة .

كما لست في حاجة إلي أن أذكركم ، أن دوركم لا يقتصر علي أم المصلين في الفرائض أو إلقاء الخطب وتوجيه الأحاديث والمواعظ في بعض الأوقات والمناسبات ، وانما دوركم في نظري أن يكون كل منكم الأب الروحي في محيطه أو قريته أو منطقته أو بين جمهوره ، ملجئا للناس، يطرحون بين يديه مشاكلهم ويفضون إليه بهمومهم ويشركونه في حل تلك المشاكل وتخفيف تلك الهموم .

 

يستلزم ذلك أن يكون كل داعية قدوة رفيعة في محيطه الاجتماعي مشاركة في جل الأحداث ، يصلح بين المتخاصمين ويحول دون المنازعات ،حتي تكون كلمته مسموعة ورأيه مقبولا ونصحه نافذا .

 

ويقتضي منه بطبيعة الحال ، أن يكون قادرا علي أداء تلك الرسالة بسعة علمه وثاقب فكره وبعد نظره ، وهذا يتطلب منه أن يعد نفسه إعدادا علميا خاصا وتصويبا فكريا ممتازا .

واذا كان أرباب الأعمال الدنيوية يشتغلون علي أنفسهم إعدادا وتهيئا ، فهو أولي أن يشتغل علي نفسه بتحديث دائم لثقافته ،وتجديدا لخطابه ، واحاطة جيدة بما يدار حوله ، بعين ثاقبة للأمور وإدراك واع للأحداث .

 

وليس خفي علي الجميع ما تتطلب تلك المكانة من مظهر ملائم وسمت لائق ، استجلابا لكل انواع التوقير والاجلال ،

وعلي قدر ما تبذلون ، سوف يرزقكم الله بكل ما يثلج صدوركم ويسعد نفوسكم .

 

احرصوا ألا يأتين الإسلام من قبلكم ، فتلك أمانة ثقلت على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها ” شفقة منها ” و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .

 

فكفاكم فخرا أن الله اختاركم لهذه المهمة ، “والله أعلم حيث يجعل رسالته ” فكونوا أهلا لذلك الاختيار ، تصدوا للمهمة بهمة عالية ،وشمروا عن ساعد الجد ، محتسبين الأجر عند الله ، ولا تنتظروه من الناس وقد تكفل المولى بذلك .

 

احرصوا ألا تكون علاقتكم بجمهوركم علاقة ظرفية تبدأ بافتتاح الكلمة و تنتهي بالدعاء .بل اجعلوا المساجد دوحة ورافة الظلال يتبوأ أفياؤها كل صنوف البشرية ، يصلي فيها الشيخ ، ويسأل فيها الشاب،ويتعلم فيها الطفل ، ويتوب فيها العاصي ، استغلوا الحالة الإيمانية التي يكون عليها الناس في المساجد .

فلعمري .ليس هناك مكان أحسن ولا أفيد للدعوة من المساجد !؟ نظرا للحالة الروحية التي يكون عليها روادها ، فاجعلوها دوما موطنا للراحة الروحية، ومعهدا لتعلم الناس أمور دينهم و ما يحتاجون إليه في حياتهم سواء كان تعليما شرعيا : ( فقها أو عقيدة أو ما له علاقة بهما من المسائل العينية  و الكفائية ) إن فعلتم ذلك ، وانتم إن شاء الله فاعلون، يكون المسجد عنئذ أكثر فائدة .

فربط الناس بالمساجد من خلال الدروس العلمية والمعايشة الإجتماعية ، باعتدال ودون سوء استخدام يعيد للمسجد حياته و ماضيه ، فحافظوا عليها بألا تستخدم في غير ما أنشأت له ،

 

وما عليكم إلا العمل والكد والتعب في أداء رسالتكم ، أما الهداية فمركونة لله تبارك وتعالى لا دخل لكم فيها، قال تعالي : ” إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء ” وقوله: ” و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا “.

 

ولا تنسوا أن الصلابة في أداء الرسالة قد تجعل الإنسان يستهين بأي الأعباء التي تواجه السائر في طريق الأنبياء والمرسلين، ومعلوم أن طريقهم ليس مفروشا بالورود ،بل مليء بالأشواك ، قال تعالي : ” لتبلون في أموالكم و أنفسكم و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ”

 

خلاصة القول :

 

الداعية إلى الله كالطبيب الحاذق ، يستدل أولا بالنبض ودرجة الحرارة علي العلل الباطنة ويشتغل علي علاجها ، ولو فرضنا طبيبا يستخدم دواء واحدا لكل مريض ، لهجره الناس للنتائج السيئة من جراء علاجه الخاطيء .

 

كذلك الداعية ينبغي ألا يكون شريط تسجيل كلما دار دورته رجع لإعادة نفس الكلام ، بل ينبغي علي الداعية أن ينظر إلي من يدعوهم ويتحسس أمراضهم ، ليتسني له وصف الدواء الناجح ..

 

خلاصة الخلاصة :

 

الداعية الناجح هو الذي يراعي أحوال المخاطبين ويستدل بقرائن الأحوال علي خفايا الصفات .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق