العيد فرحة

فقه الأعياد .

 

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

 

الأعياد أيام معلومة ، تمر على الأمة فتلقاها لقاءا خاصاً ، لارتباطها بما تحبه وتجله ، من ذكريات عزيزة أو عقائد كريمة ، فإذا مر بالأمة عيد من هذه الأعياد تحركت عواطفها ، وانبعثت مشاعرها ، وأحست بهزة تنال عاطفتها ، وانتفاضة تشمل حسها ونفسها .

إن يوم العيد يوم ملحوظ في السنة ، مذكور علي الألسنة ، مجموع له الناس ، يتألقون فيه فرحة وبهجة ، ويتبادلون فيه تحية وتهنئة، فمن طبيعة الأعياد أن تتسم بالفرح والسرور ، لأنها تكون خاتمة لمرحلة من مراحل التوفيق في أمر من أمور الدين أو أمور الدنيا ، ولا عيب علي المسلم إذا أخذ حظه من الفرح في مواطن البهجة ، أو أبدي سروره في مقامات السرور ، والله عز وجل قد جعل السرور من خير الثواب الذي يلقي به عباده يوم الجزاء : ” فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ”

العيد فرحة . فرحة عامة ، ليست فرحة لفرد ولا لبيت ولا لبلد ، بل هي فرحة لأبناء القبلة جميعاً ، وأهل الإسلام كلهم ، وديار المسلمين في شتي بقاع الأرض ، أليس رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، هو القائل :” للصائم فرحتان ، فرحة يوم فطره ، وفرحة يوم لقاء ربه ” والفرح لذة في القلب بسبب الحصول علي أمر محبوب ، وانشراح في الصدر عند بلوغ مقصد مطلوب .

وفرحة يوم العيد هي فرحة العامل الذي أخلص في عمله ، واقبل علي بارئه ومولاه يقدم إليه نتيجة هذا العمل وثمرته ، وهي فرحة المجاهد الذي قهر شهواته وقاوم رغباته ، وزان أيامه بالصيام والقيام ، وعمر ليله ونهاره بتلاوة القرآن.

وكل فرحة وبهجة لها منظرها ومنظرها ، وفرحة عيدنا تنجلي في الحشود المؤمنة والجموع المؤمنة الموقنة التي تخرج إلي ساحات الصلاة مع نسمات الصباح ، تذكر ربها وتحمده وتشكره ، مدوية في الآفاق الهتاف الاسلامي الرائع المنبعث من أفواه الملايين الموحدين : ” الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ” وللمسلمين كل الحق في أن يفرحوا إذا نالوا نعمة ، أو حققوا أمنية ، أو صادفوا توفيقاً ، أو بلغوا خيرا .

للأسف ،، ماهو شائع لدي العامة بأن الأعياد مواسم يعبون فيها من اللهو عبا ، ويشربون خلالها من الأهواء بأوفي المكاييل ، بلا تحرز من حرام ، أو تباعد عن باطل ، وهذا ضلال في الاعتقاد ، وانحراف في الإتجاه ، فما كانت الأعياد في الإسلام إلا واحة فيحاء يجد المسلم عندها وارف الظل ونمير الماء ورقيق الهواء وطهور المتاع ، ومن الجدير بالمسلم أن يحسن المزاج في الأعياد بين اللهو الطيب والتعبد الحميد .

ومن الشائع كذلك أن الأعياد فرصة للإسراف في ألوان الطعام وكمياته إلي حد التخمة ، مع أن دستور المسلم في ذلك هو قول الحق تبارك وتعالي : ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين “.

ومن الشائع أيضا ، أن هناك أقواما ينتهزون فرصة الأعياد ليجددوا فيها الأحزان ويبعثوا الأشجان ، ولذلك نراهم لا ينتفعون بالأعياد ، ثم لا تجديهم أحزانهم فتيلا ، وما جعل الله الأعياد لنتخذها منادب وملاطم ، أو لنملأها بالصراخ والعويل ، بل لنتحدث فيها بنعمة الله ، ولنظهر فيها بمظهر الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .

ايها المسلمون : إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها ، وأيام الأعياد هي مواسم الخيرات وموطنا من مواطن النفحات ، وليست ايام اجترار الأحزان .

چدير بنا ونحن نستقبل عيدنا هذا أن نلقاه بالبشري ، ونفرح به وندرك مذاقه ، ونهييء لغيرنا من الفقراء أن يشاركوننا فرحته ، بتوسيع عليهم ، بحقهم منا ( الزكاة المفروضة ) وبصدقتنا عليهم ، لأن الله يكون في عون العبد مادام العبد في عون اخيه ، فالمؤمن المؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، وما أجدرها بالاحترام من أمة يشارك أبناؤها بعضهم في الخير والنعمة ، ويتساندون في البأساء والشدة ، والأمة الإسلامية ولله الحمد والمنة ، أمة تتنزه عن الفتنة والفرقة ، وتستمسك بمكارم الأخلاق ومحامد الفعال ، أليست الأمة الوسط الصالحة المصلحة التي يصفها القران الكريم بقوله : ” ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ”

والأعياد ليست جديدة علي البشرية ، فقد بدأت البشرية الإحتفال بالأعياد في غابر الزمن، ويُعد الفراعنة من أكثر الشعوب اهتماماً بالأعياد والطقوس الدينية ، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد ذلك؛ قال تعالى في سورة طه على لسان فرعون: ” قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)، وأقوال أهل العلم في يوم الزينة، راجعة كلها ؛ إلى أنه يوم معروف لهم ، يجتمعون فيه ويتركون أعمالهم ، سواء كان يوم عيد لهم ، أو يوم سوق ، يتزينون فيه بأنواع الزينة.

وبعد مرور ألف وخمس مائة سنة على عيد الفراعنة ، أنشأ الحواريون عيدا خاصا بهم، جاء ذكره في الذكر الحكيم، من خلال حوار جرى بين الحواريين والمسيح عليه والسلام ، وقد جاء مفصلا في سورة المائدة (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)، قال البغوي في تأويل هذه الآية: عيدا ؛ أي عائدة من الله علينا حجة وبرهانا، أي أنهم سيتخذون اليوم الذي أنزلت فيه المائدة عيدا لأولهم وآخرهم، يعظمونه ويصلون فيه.”

وروى أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قدم إلى المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: “إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْمَ الْأَضْحَى ، وَيَوْمَ الْفِطْر “، وقال الحافظ بن حجر في تعليقه على الحديث، أنهما أعياد النوروز والمهرجان المجوسيان. وقد فرض الله عيدي الفطر والأضحى في السنة الثانية من الهجرة .

أيها المسلمون : ها هو العيد يعود الينا محملا بخيرات الله ورحمته وعفوه ، فلنتعرض إليه بالصالحات والقربات ، وكما طل علينا بثمار الطاعة ، فيجب أن نحسن الحصاد ، وان نتعهده بالعناية والرعاية .

فأقبلوا علي مواطن الطاعات بالعزائم الناشطة والنفوس المتفتحة والقلوب الحية والآمال الواثقة في فضل الله ورحمته ،فبادروا وابشروا ” وسارعوا إلي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

فهيا نتهيأ ليوم الفرحة بصناعة الفرحة ، تسامحاً وغفراناً مع أنفسنا ومع أهلينا وجيراننا وكل الناس ، ونمد يد المساعدة لكل محتاج ، ونصل أهلنا ومن لهم حقوق علينا ، حتي تكون مع من انعم الله عليهم بالمغفرة والعتق من النيران، وكل عام وحضراتكم بموفور الصحة والعافية والهناء وراحة البال اللهم امين يارب العالمين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق