أقلام حرّة

فضل اللغة العربية علي جميع اللغات

 

 

 

 

بقلم ..د.علاء مشعل

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله علي آلائه، والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله…وبعد؛ فإن من أحب الله أحب رسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم، ومن أحب النبي العربي أحب العرب، ومن أحب العرب أحب اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب علي أفضل العجم والعرب، ومن أحب اللغة العربية عني وثابر عليها، وصرف همته إليها ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان آتاه حسن سريرة؛ فبه اعتقد أن محمداً خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال علي تفهمها من الديانة؛ إذهي أداة العلم، ومفتاح التفقه في الدين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائل والاحتواء علي المروءة وسائر أنواع المناقب كالينبوع للماء، والزند للنار. ولو لم يكن في الإحاطة بخصائصها والوقوف علي مجاريها ومصارفها، والتبحر في جلائلها ودقائقها إلا قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة الإيمان لكفي بهما فضلاً يحسن أثره، ويطيب في الدارين ثمره. فكيف وفضائلها أعظم من أن تحصي؟ ولا يملك من يدرسها إلا أن يفتن بسحرها ويقع في أسرها؛ يسحره بلاغتها. ويعجبه رقتها وعذوبتها، ويدهشه في ألفاظها كثرتها، وبحسبك أن تستمع لبعض شهادات من المستشرقين الذين سحرتهم اللغة العربية بجمالها، ونحن جميعاً نعلم أن الدافع لدراستهم العربية لم يكن إلا للنيل من العربية والإسلام، ولكنهم بعد أن درسوها لم يملكوا أنفسهم من سحرها، ولم يستطيعوا مقاومة تأثيرها. تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكة (1913-1990) متحدثة عن العربية: “كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة، ومنطقها السليم، وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعي سحر تلك اللغة؛ فلقد اندفع الناس الذين بقوا علي دينهم في هذا التيار يتكلمون اللغة العربية بشغف؛ حتي إن اللغة القبطية – مثلاً – ماتت تماماً. بل إن اللغة الآرامية تخلت إلي الأبد عن مركزها لتحتل مكانها اللغة العربية”(1)

وها هو المستشرق الفرنسي إرنيست رينان (1823-1892) يتحدث عن خصائص العربية ومميزاتها فيقول: “من أغرب المدهشات أن تنبت تلك اللغة القومية، وتصل إلي درجة الكمال وسط الصحارى عند أمة من الرحل، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها، ودقة معانيها، وحسن نظام مبانيها، ولم يعرف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة”، ويتنبأ المستشرق الألماني يوهان فك (1894-1974) بخلود اللغة العربية لما تتمتع به من خصائص فيقول: “لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد علي أنه أقوي من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحي عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر، ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ

 

(1) زيجريد هونكة: شمس الله تشرق علي الغرب – الحضارة العربية وأثرها في نظيرتها الأوروبية، ترجمة/ فاروق سعيد ميضون، وكمال دسوقي، دار العالم العربي،ط/1 ، بيروت، منشورات المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر، 1964م، ص43

العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية”

ولو استعرضنا جميع شهادات المستشرقين الذين شهدوا بجمال العربية وسحرها لضاق بنا المقام. وهذا كله يؤيد كلام عبقري اللغويين ابن جني إذ يقول: “لو أحست العجم بلطف صناعة العرب في هذه اللغة، وما فيها من الرقة والدقة، لاعتذرت من اعترافها بلغتها، فضلاً عن التقديم لها والتنويه منها”(1) ، ويقول تأييداً لكلام المستشرقين في شهادتهم للغة العربية: “وذلك أنا نسأل علماء العربية ممن أصله عجمي، وقد تدرب بلغته قبل استعرابه عن حال اللغتين فلا يجمع بينهما، بل لا يكاد يقبل السؤال عن ذلك؛ لبعده في نفسه، وتقدم لطف العربية في رأيه وحسه”(2)

ولنتبين فضل اللغة العربية علي ماعداها من اللغات نستعرض مقارنة سريعة بينها وبين غيرها من اللغات في الأبجدية، والبلاغة، والنحو، والصرف، والأصوات والألفاظ.

أما الأبجدية العربية: فقد شاء الله لها أن تكون أبجدية عالمية يكتب بها كل شعوب العالم تقريباً، وإن شئت قلت 98% من شعوب العالم. ولتفصيل ذلك نقول: إن الأبجدية العربية أبجديتان: إحداهما قديمة غير مستعملة بيننا، والأخري حديثة مستعملة. أما الحديثة التي نستعملها فيكتب بها أكثر من نصف شعوب العالم. وتنقسم هذه اللغات التي تكتب بالأبجدية العربية إلي أربعة أقسام :

أولها: مجموع اللغات التركية وكانت تكتب بالأبجدية العربية حتي الثلث الأول من القرن الماضي إلي أن أحل محلها مصطفي كمال أتاتورك الأبجدية اللاتينية. القسم الثاني الذي يكتب بالأبجدية العربية: مجموع اللغات الهندية وهي من اللغات الآرية وتشمل اللغة الأوردية والكشميرية والسندية واللسان الجاوي وغيرها. والقسم الثالث: مجموع اللغات الفارسية، وتشمل اللغة الفارسية والأفغانية والبلوشية والكردية.

والقسم الرابع: مجموع اللغات الأفريقية، ولها فروع كثيرة منها البربرية والنوبية والحوسية والسواحلية وغيرها.

هذه هي اللغات التي تكتب بالأبجدية الحديثة. أما الأبجدية العربية القديمة فقد تلقفها اليونان وكتبوا بها لغتهم، وأخذتها عنهم اللغة اللاتينية فكتبت بها جميع شعوب أوروبا وأمريكا إلي وقتنا الحاضر، ولو كان الوقت متسعاً لشرحت بالصور كيف تطورت وانتقلت الأبجدية العربية إلي أوربا، وقد ألفت في ذلك كتاباً. ولكن أذكر لكم دليلاً سريعاً علي صدق مقولتي؛ وهو أن الأبجديات الأوروبية لا تزال حتي يومنا هذا علي نفس الترتيب العربي القديم: أبجد هوز حطي كلمن؛ فترتيب الأبجدية اليونانية هكذا: Α, Β, Γ, Δ وهي كلمة (أبجد) ثم ε, ζ وهي كلمة (هوز) مع نقل حرف (الواو) عن مكانه ، ثم الحروف η, Θ, ι وهي كلمة (حطي)، ثم الحروف κ, λ, μ, ν وهي كلمة (كلمن). أما الأبجدية الإنجليزية وأخواتها فتبدأ بالحروف : A, B, C, D

وهي كلمة (أبجد)، كما احتفظت بترتيب كلمة (كلمن) وهي: n, m, L, k وبعد أن أخذت أوروبا الأبجدية العربية غيروا بعض الشئ في ترتيبها ومعني ما ذكرناه أن العالم كله يكتب بالأبجدية العربية؛ فالعالم المتقدم جميعه يكتب بأبجديتنا القديمة، وغيرهم يكتب بأبجديتنا الحديثة هذا عن الأبجدية.

 

(1) ابن جني : الخصائص ، تحقيق / محمد علي النجار، القاهرة 1952-1956م، 2/5

(2) السابق 1/243

 

أما البلاغة العربية: فحدث عن فضلها علي بلاغة اللغات الأخري ما شئت؛ إذ تقتصر بلاغة اللغات الأخري علي بعض المجازات من استعارة وكناية كقول الإنجليز: yellow press ( الصحافة الصفراء )، يريدون الصحافة التي تهتم بإثارة الشائعات، وكقولهم: white home (البيت الأبيض) وهم لا يريدون بياض لونه، بل بيض فعال أعضائه. أما البلاغة العربية ففي أقسامها الثلاثة؛ من بيان، ومعان، وبديع ما لا تقوم له لغة أخري؛ فمن خلالها تستطيع أن تؤدي بالحرف الواحد معاني شتي قد لا يفطن لها العلماء؛ فها هو الفيلسوف الكندي يقول للمبرد: إني أري في كلام العرب حشواً قال له: كيف ذلك؟ قال: أراهم يقولون: محمد قائم، وإن محمداً قائم، وإن محمداً لقائم. والمعني واحد. فقال له: بل المعني مختلف فقولك: محمد قائم، إخبار لمخبر، وقولك: إن محمداً قائم، إجابة لسؤال سائل، وقولك: إن محمداً لقائم، إنكار لمنكر. هذا وتستطيع بالجملة الواحدة إذا قدمت فيها أن تفيد معني غير معناها إذا لم تقدم؛ فتقول: ركبت السيارة فإذا قدمت السيارة؛ فقلت: السيارة ركبت. أفدت قصراً وتخصيصاً وهو غير المعني الأول. وهذا لا تستطيع لغة أخري أن تؤديه إلا بزيادة في الألفاظ ففي الفرنسية تقول: J’ai pris la voiture فإذا أردت تخصيصاً زدت في الألفاظ فقلت: J’ai pris la voiture suelement وكذلك في الإنجليزية تقول I took a car فإذا أردت تخصيصاً قلت: I only took a car. هذا عن البلاغة العربية

أما النحو العربي فليس في اللغات كلها نحو مثله؛ نعم وجدت لغات معربة كاليونانية واللاتينية تستطيع فيهما أن تقدم وتؤخر وتستدل علي الفاعل والمفعول بعلامة الإعراب لكن المعاني النحوية فيهما قاصرة. أما النحو العربي فتستطيع من خلاله أن تؤدي بالعبارة الواحدة معاني شتي فتقول: ما أحسن زيداً؛ بنصب زيداً تتعجب من إحسانه، وتقول: ما أحسن زيد؛ برفع زيد فتنفي عنه الإحسان، وتقول: ما أحسنُ زيد؟ بخفض زيد تسأل عن أي شئ حسن فيه. يقول ابن فارس: “فأما الإعراب فبه تميز المعاني، ويوقف علي أغراض المتكلمين. وذلك أن قائلاً لو قال: (ما أحسن زيد) غير معرب. أو (ضرب عمرو زيد) غير معرب لم يوقف علي مراده فإذا قال: ما أحسن زيداً، أو ما أحسن زيد، أو ما أحسنُ زيدٍ أبان بالإعراب عن المعني الذي أراده، وللعرب في ذلك ما ليس لغيرها؛ فهم يفرقون بالحركات وغيرها بين المعاني”(1) روي أن ابنة أبي الأسود الدؤلي قالت لأبيها يوماً: يا أبت ما أحسنُ السماءِ. قال: أي بنية نجومها، قالت: إني لم أرد أي شئ منها أحسن، وإنما تعجبت من حسنها. قال: إذن فقولي: ما أحسنَ المساءَ.(2) هذا… وتستطيع عن طريق النحو أن تؤدي بالكلمة الواحدة معاني

 

(1) ابن فارس : الصاحبي في فقه اللغة ، تحقيق / مصطفى الشويمي، بيروت 1963م ،ص190 ، وانظر: لمع الأدلة لابن الأنباري109

(2) السيرافي :أخبار النحويين البصريين، تحقيق / محمد عبد المنعم خفاجي ، وطه الزيني، القاهرة 1955م،ص 14 وانظر : نزهة الألباء ص5، إنباه الرواه 1/16

 

عدة؛ فكلمة (السيارة) قد تؤدي بها الكثير من المعاني؛ فقد تقع إجابة لسؤال، وتغري بها، وتحذر، وهي في كل تغني عن جمل طوال: فتقول: السيارة، إجابة لمن قال لك: أي شئ ركبت؟ فتغني عن قولك: ركبت السيارة وتقول: السيارة إغراءً فتغني عن قولك: الزم السيارة، وتقول: السيارة تحذيراً فتغني عن قولك: احذر السيارة. وليس لغير العربية من اللغات مثل هذا التصريف في الألفاظ. كما تجد أن الأدوات النحوية قد تغني عن ألفاظ كثيرة ؛ فقولك : لن آتيك يغني عن قولك سوف لا آتي إليك؛ وهو الأسلوب الذى يستخدمة الذين لا يجيدون العربية. فإذا رحت تترجم هذه العبارة إلى الإنجليزية قلت : I will not come to you ؛ فتترجم العبارة المكونة من لفظين إلي سته ألفاظ ؛ ولذا قال الخليل بن أحمد في ( لن ) : إنه حرف مركب من حرفين هما : لا ، وأن ، ومثل ( لن ) ( يا ) النداء ؛ فإنها تغني عن قولك : أدعو ، أو أنادي؛ فالأدوات النحوية تغني عن ألفاظ كثيرة … هذا عن النحو العربي.

وأما الصرف العربي فليس في لغات العالم كلها صرف مثله؛ إذ يتميز بكثرة المشتقات من اسم فاعل، واسم مفعول وصفة مشبهة، وصيغة مبالغة، وأسماء زمان، ومكان، وآلة، وأفعل تفضيل، وتعجب، إلي غير ذلك. وهذا ما يجعل اللغة العربية قادرة علي مواكبة أي تطور وتقدم تكنولوجي؛ فقد قسم علماء علم اللغة لغات العالم من حيث التصرف وعدمه – وهذا ما ينبني عليه تقدم اللغة أو تخلفها – إلي ثلاثة أقسام:

لغات مشتقة، 2- ولغات لاصقة،

ولغات عازلة. أما اللغات اللاصقة فهي التي تدل علي المعاني المختلفة بإضافة سوابق أو لواحق للكلمة. وأما العازلة فهي غير المتصرفة وتقوم الكلمة فيها علي شكل واحد لا يتغير. وقد جعل العلماء أرقي اللغات المشتقة أو المتصرفة، وأدناها العازلة(1) وبالنظر إلي هذه الأقسام نجد اللغة العربية أعلي اللغات؛ ففضلاً عن كونها متصرفة أو مشتقة فهي تحوي الأقسام الثلاثة؛ ففيها خصائص اللغات اللاصقة؛ إذ قد تدل علي المعاني بإضافة سوابق أو لواحق؛ فتقول: أشأم؛ بزيادة همزة في أول الفعل فتدل علي دخول الشام، وتقول: شامي؛ فتضيف ياء النسب فتدل علي النسبة إلي الشام. وفيها من خصائص اللغات العازلة كالحروف والظروف.

إن الصرف العربي يتيح لك أن تؤدي المعني وضده بإضافة حرف واحد؛ فتقول: شكى إذا بث شكواه، وتقول: أشكى: إذا أزال شكواه. إذا نظرت إلي اللغات الأخري وجدتهم يدلون علي الآلة إما بإضافة ألفاظ إلي الكلمة، أو باختراع كلمة جديدة غير الجذر اللغوي الذي يريدون آلته؛ ففي الفرنسية يقولون appareil die photo أي آلة التصوير أو آلة الصورة: وفي الإنجليزية يقولون: camera وهو خلاف لفظ الفعل الدال علي التقاط الصورة telephotogtaphs و lensing لكنك في العربية قد تدل علي آلة التصوير بلفظ اسم الفاعل فتقول: مصورة أو بلفظ اسم الآلة المشتق من صور فتقول: مصورة.

 

(1) انظر: أسس علم اللغة لماريوباي، ترجمة وتعليق/ د. أحمد مختار عمر، ص 175، دراسات في فقه اللغة د.صبحي الصالح، ص41، 42، فصول في فقه العربية، د. رمضان عبد التواب ص 26، لغات البشر – أصولها وطبيعتها وتطورها لماريوباي، ترجمة د. صلاح العربي، ص39

 

كما تستطيع أن تعبر عن الكاميرا أو آلة التصوير الفوتوغرافي بلفظ واحد مشتق من الفعل ( صور ) دون زيادة عليه؛ بأن تشتق له اسما على أوزان اسم الآلة؛ كأن تقول : مِصْوَرَة . كما تستطيع أن تعبر عن ماكينة التصوير بلفظ آخر مشتق من الفعل (صور) أيضاً دون زيادة عليه كأن تقول : (مِصْوَار) أو نحو ذلك ؛ فقد فرق العرب بين المعنيين المتقاربين ببناءين مشتقيين من أصل واحد ؛ فقالوا : عطار لبائع العطور , ومعطار لكثير التعطر . وقالوا : سميع لعظيم السمع في غير الشر وقالوا سماع لعظيم السمع فى الشر قال تعالي : “سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ” ( سورة المائدة آية 42) وقال سبحانه أيضاً : “سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك” ( سورة المائدة آية 41 ).

إننا لو قارنا بين اللغة العربية واللغة اليونانية التي اعتبرها العالم لغة العلم والعلوم التطبيقية؛ فكانت أوروبا كلها تكتب بها منذ ما قبل الميلاد وحتي مطلع القرن العشرين؛ فكان الأطباء وعلماء العلوم التطبيقية من فيزياء وكيمياء وغيرهما في العالم كله يقترضون لمخترعاتهم ألفاظاً يونانية. لو قارنا بينها وبين العربية لوجدنا بينهما بوناً شاسعاً في التصرف؛ فاللغة العربية لغة متصرفة قادرة علي صياغة المعاني المختلفة من الأصل الواحد دون الحاجة إلي زيادات أما اليونانية فإنها وإن كانت مشتقة، إلا أنها تعتمد في أكثر ألفاظها علي الإضافات بالسوابق واللواحق، أو تكوين اللفظ من لفظين أو أكثر؛ فهي لغة لاصقة في المقام الأول: فكلمة بيطرة المعربة عن اليونانية لفظها عندهم ιππιατρικον

مركب من لفظين ιππος بمعني حصان أو فرس و ιατρική بمعني علاج، جراحة؛ فأصل معناه: علاج الخيل، ثم توسعوا في معناه فعنوا به معالجه الدواب(1) مثاله أيضاً لفظ: أريكه وهو معرب عن اليونانية αρικοιτος وهو مركب من لفظين هما: αρι وκοιτος, ولفظ αρι اختصار للفظين αριστος و αρειον

وهو بادئه لبعض الألفاظ التي تدل علي النفاسه والجودة والبراعة ولفظ κοιτος معناه مرقد ومنه أخذ لفظ κοιτων

الذي عرب إلي قيطون وهو المخدع فمعني αρικοιτος فراش وثير، مرقد جيد(2) مثاله أيضاً: لفظ جغرافيا وهو معرب عن اليونانية γεωγραφια المركب من لفظين γη بمعني أرض والفعل γράφω

بمعني يكتب، يصف منظراً فيكون معني γεωγραφια علم وصف الأرض.(3) مثاله أيضاً لفظ (إنجيل) المعرب عن اليونانية ευαγγελιον معناه البشارة، المشتق من الفعل ευαγγελεω وهو متألف من لفظين ευ

وهو ظرف معناه: حسناً، جيداً والفعل αγγελω معناه: يخبر – ينبئ؛ فمعني ευαγγελω يخبر بخير سار(4) ونحن نعبر عنه في العربية بلفظ واحد هو يبشر.. والأمثلة علي ذلك كثيرة فعلم فضل العربية عما سواها من اللغات في التصرف والاشتقاق وهذا معناه أن اللغة العربية قادرة علي مواكبة التطور التكنولوجي.

أما الألفاظ العربية: فليس في الدنيا كلها لغة غنية بألفاظها وكثرة مترادفاتها كالعربية لدرجة أن يكون للفظ الواحد فيها أكثر من مائة مرادف؛ يحكي ابن فارس عن شيخة أحمد بن محمد بن بندار أنه قال:

 

(1) انظر: رسالتنا للماجستير: (التأثير والتأثر بين اللغة العربية واللغة اليونانية في الألفاظ من العصر الجاهلي حتي نهاية العصر العباسي، ص500 (2) انظر: رسالتنا للماجستير، ص515، 516

(3) المرجع السابق، ص518 (4) المرجع السابق، ص522، ص523

(5) الصاحبي 43

 

سمعت أبا عبد الله بن خالوية الهمذاني يقول: جمعت للأسد خمسمائة اسم، وللحية مائتين:(5) ولو قارنا بين العربية والفرنسية التي تعد من أعظم لغات العالم لبلاغتها ولكونها لغة العلم والأدب، لدرجة أنها إبان القرن التاسع عشر وما قبله كانت لغة المراسلات العالمية؛ فمن كان يريد أن يرسل من الحكومات والهيئات خطاباً إلي أي دولة في العالم كان يجب عليه أن يكتبه بالفرنسية. لو قارنا بين الفرنسية المتقدمة وبين العربية في شئ تخلف فيه العرب في الجاهلية؛ وهو الحساب والعد، لوجدت تطور العربية تطوراً شديداً، وتخلف الفرنسية؛ فليس في الفرنسية لفظ خاص بالسبعين بل يقولون: soixant – dix ولفظ soixant معناه ستون، ولفظ dix معناه عشرة. أي أن الترجمة الحرفية للفظ: soixant – dix؛ ستون وعشرة. وليس في الفرنسية أيضاً لفظ خاص بالعدد (ثمانين) بل يقولون:

quatre – vingts ولفظ quatre معناه أربعة و vingt معناه: عشرون أي أن الترجمة الحرفية للفظ

quatre – vingts أربع عشرينات. وليس في الفرنسية أيضاً لفظ خاص بالعدد (تسعين)

بل يقولون: quatre – vingts – dix وهو مكون من ثلاثة ألفاظ quatre أي أربعة و vingt أي عشرون و dix أي عشرة؛ فالترجمة الحرفية للفظ quatre – vingts – dix أربع عشرينات وعشرة ومجموعها – كما تري- تسعون. أرأيت هذا التخلف في العدد وفي الألفاظ؟

أنت تقول في العربية: رجل تسعيني. في كلمتين اثنتين فإذا ترجمها إلي الفرنسية قلت un homme a quatre vingt dix ans فتعبر عن هذا المعني بست كلمات. بل إن قولك: رجل تسعيني المكون من لفظين يغني عن جمل طوال. فمعناه أنه رجل بلغ تسعين عاماً أو واحداً وتسعين، أو اثنين وتسعين، أو ثلاثة وتسعين إلي تسعة وتسعين. وكل من يسمع قولك: رجل تسعيني يعي تماماً هذا المعني الذي يغني عن عشرة جمل علي الأقل… هذا عن الألفاظ العربية.

أما عن الأصوات العربية: فالعربية أغني لغات العالم بأصواتها؛ يقول سييويه عن عدد الحروف العربية: “وتكون اثنين وأربعين حرفاً بحروف غير مستحسنة ولا كثيرة في لغة من ترضي عربيته، ولا تستحسن في قراءة القرآن، ولا في الشعر، وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف… إلخ”(1) فإذا كانت الحروف العربية اثنين وأربعين حرفاً كان هذا معناه أن في العربية أكثر من ثمانية وستين ومائة صوت؛ لأن لكل حرف أربعة أصوات علي الأقل؛ فالصوت مفتوح غيره وهو مكسور، أو مضموم، أو ساكن، هذا فضلاً عن الأصوات الممالة وقد استفادت العربية من كثرة حروفها وأصواتها في الدلالة علي المعاني المختلفة بجرس أصوات اللفظ، وهو ما أسماه ابن جني “إمساس الألفاظ أشباه المعاني”: فالخضم والقضم قريبان في المعني ولكن القضم استعمل لأكل الصلب اليابس لقوة الكاف فيه، واستعمل الخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء لضعف الخاء عن الكاف(2) والنضح والنضخ قريبان ولكن استعمل النضح في سيولة الماء من أسفل لكون الحاء فيه من حروف الاستفال قالوا: كل إناء ينضح بما فيه. والخاء لقوتها واستعلائها في نضخ استعملت لخروج الماء من أعلي(3) قال تعالي: “فيهما عينان نضاختان” ( سورة الرحمن آية 66 ) ونظير هذا: سد وصد، وهز وأز، إلي غير ذلك.. ولا تجد في لغة من اللغات غير العربية التعبير عن المعاني بالأصوات ففي الإنجليزية؛ تقول: bad و bat والدال أخت التاء، ولكن لكل كلمة منهما معني بعيد فـ bad معناه سئ و bat معناه خفاش أو وطواط. وتقول: had و hate الأول بمعني ملك، والثاني بمعني يكره وتقول: sad و sat الأول بمعني: حزين، والثاني بمعني: جلس. وتقول في الإنجليزية sing و thing والثاء أخت السين، ولكن لكل كلمة في الإنجليزية معني بعيد عن صاحبه؛ فالأول بمعني يغني، والآخر بمعني: شئ. وتقول: think و sink الأول بمعني: يعتقد، والثاني بمعني: يغرق… ومن هذا العرض السريع يتبين لنا جلياً فضل العربية علي جميع لغات العالم في أبجديتها، وبلاغتها، ونحوها، وصرفها، وألفاظها وأصواتها؛ وهو ما يدعو كل عربي لأن يفخر بلغته، ويدفع شبهة أن نكون مبالغين في إعجابنا بلغتنا، والدفاع عنها.

مراجع

(1) سييوية 4/432

(2) انظر: الخصائص لابن جني 2/

143

(3) السابق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق