أقلام حرّة

رسول الموت

 

محمد الفؤاد

الناس كلهم راضون قانعون قلوبهم سعيدة لا يعكر صفوها إلا كونهم يستقلون أعمارهم التى تتراوح بين المائتى والثلاثمائة سنة فيودون ان يخلدوا. هؤلاء الناس يعيشون فى مملكة اسمها مملكة الحياة صاحبها ملك له رهبة في النفوس له الرأي الاخير.
هو ملك رحيم يسير فى الدروب ليلاً أونهاراً ليتفقد أحوال الناس. فيقول: هل من جائع فأطعمه ؟ هل من مريض فأشفيه ؟ هل من خائف فأأمنه .

وجد الملك ضمن ما وجد أثناء تفقده أحوال الناس امرأة شابة فى حدود الثلاثين من عمرها، تجلس على حجر وتحتضن طفلها بين ذراعيها فترضعه بحنان كبير فيقول الملك: هوذا طفل ثقيل الحمل على يديك، هوذا مرض يذوي شبابك. فيأمر حراسه فيخطفون الطفل من حضن أمه والأم تبكى وتنتحب وتستعطف الملك ، لكن الملك لا يعطف ولا يرحم ويقول لها :إنى آخذ الطفل فأتعهده بالرعاية والتربية ليكون جنداً من أجنادى. ولكنك لا ترينه إلا بعد حين هوذا النمو الذى لا يعرف انحلالا

ثم سار الملك برهة من الزمن فوجد شيخاً عجوزاً اشتعل رأسه شيباً و وهن جسمه واحدودب ظهره وغارت عيناه وتجعدت ملامحه، يتوكأ على عصاه، فقال الملك: هوذا شيخ هرم غمت الحياة قلبه. فيأمر الملك حراسة أن يأخذوا الشيخ إلى تكايا الملك. وأولاد الشيخ وأحفاده يبكون وينتحبون ويستعطفون الملك ويسترحمونه بالدمع، ولكن الملك لا يعطف ولا يرحم ويقول لهم : إنى آخذ الشيخ هذا لأشفيه من أمراضه وأوجاعه. وإنى مع ذلك أبقيه فى التكايا يأكل ويشرب. ولكنكم لا ترونه إلا بعد حين. إنى امنح الراحة للمتعبين.
ثم سار الملك برهة أخرى من الزمان فوجد شاباً حسن المنظر . يتودد إلي حبيبته، فيقول الملك : هوذا شاب يعتقد فى صفو الليالى فيأمر الملك حراسه أن يأخذوا الشاب من حبيبته, والحبيبة تبكى وتنتحب وتستعطف الملك وتسترحمه بالدمع . لكن الملك لا يعطف ولا يرحم ويقول لها إنى سأزوجه من بنات خارقات الجمال ، ولكنك لا ترينه إلا بعد حين هوذا كنز دائم يا من تحنون إلى الغنى .

هوذا خطفة راعبة تنسى كل لذة، هوذا سحر خبيث فى الدم يسرى فى الجسم كله فيفتت الخلايا ويبكم الأفواه ويشل العقول فتبرد الأعضاء وتجمد الأبدان “والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق” حيث لا ولادة ولاموت .

محمد الفؤاد
القاهرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق