أقلام حرّة

حتي لا ننسي

 

بقلم : يحي سلامة

رغم المساحة الشاسعة بين الإتفاق والإختلاف بيننا حول الفن بصفة عامة والعاملين بالفن (تمثيلا وغناءا) بصفة خاصة واختلاف الأراء والأذواق إلا أن هناك حقيقة واقعية فرضت نفسها منذ مطلع القرن الماضي عندما عرفت مصر التمثيل المسرحي والتمثيل السينمائي ومن بعده التمثيل التليفزيوني والفضائي بصورته اليوم
وهذه الحقيقة هي حرص الفنان أو الفنانة علي كسب حب الجمهور واحترامه له واحتفاظ الجمهور بصورة وتصور إيجابي عن الفنان أو الفنانة وفق معايير فنية في اعلب الأحيان و(أخلاقية) في أحيان أخري.
وكاتت هذه المعايير بجانبيها الفني والأخلاقي عاملا حاسما ومؤثرا في حياة المشتغلين بالفن قديما وحديثا.
فالفنانة الراحلة (قيثارة الشرق) ليلي مراد قد إتخذت قرار إعتزالها للغناء وهي في ذروة النضوج الفني وكامل اللياقة الصحية الصالحة للأداء والعمل بكفاءة لمدة 10أو 15 عام أخري بعد عرض أخر افلامها (الحبيب المجهول) عام 1955 مع حسين صدقي ورفضت الظهور علي شاشة السينما أو التليفزيون حتي يحتفظ الجمهور بصورتها الناضجة الحيوية وتظل في عين وأذن الجمهور كما كانت في أخر ظهور لها.
ومخاطبة الجمهور وكسب وده ليس بجديد علي الفن والمشتغلين فيه فما زال لليوم تتغير النهايات ويتم حذف أو إضافة مشاهد للسيناريوهات لا لشئ إلا لعدم اهتزاز صورة الفنان أو الفنانة أمام جمهوره المتابع له.
والمتابع لتصريحات الفنانين والفنانات القدامي يري أنهم تقريبا أجمعوا علي قول واحد (أن عقاب الجمهور أقوي وأشد من عقاب النقاد والمنتجين والمخرجين علي الفنان) والأمثلة كثيرة علي معاقبة المخرجين والجمهور للفنانين والفنانات سواء كانوا مذنبين أم غير مذنبين (فنيا وأخلافيا) فالفنانة القديمة (زوزو ماضي) تلقت هذا العقاب بعد زواجها من رجل أعمال ولم تعلم أنه يتاجر في المخدرات إلا بعد القبض عليه وزج إسمها في أوراق التحقيقات وابتعد عنها المنتجون والمخرجون حتي ثبتت براءتها تماما ثم عادت لتبدأ حياتها من جديد فنيا واجتماعيا حتي رحيلها.
وهو عكس ماحدث مع الفنانة الراحلة (ماجدة الخطيب)والفنان الراحل (حاتم ذو الفقار) بعد إدانتهما في قضيتين شهيرتين بتعاطي المخدرات ورغم قضائهما للعقوبة إلا أن المنتجين والمخرجين قد ابتعدوا عنهما حتي اضطروا لأداء أدوار ثانوية وصغيرة لكسب العيش لا تتناسب مع طموحاتهما ونحوميتهما قبل دخولهما السجن وظلا في هذه الأدوار حتي رحيلهما .
ومن قبلهما عاقب المنتجون والمخرجون والجمهور معا الفنانة الراحلة (ناهد شريف) بعد ظهورها في فيلم جرئ في أوائل السبعينيات وانطفئت نجوميتها واتزوت حتي رحيلها فنالت العقاب الفني والأخلاقي معا .
ولأننا في زمن تغيرت فيه المعايير الفنية والأخلاقية واختلطت فيه المفاهيم والقدرة علي التمييز نري إعلاما فضائيا فقد بوصلة التمييز والمعايير ليستضيف علي شاشاته ممثلة قضت عقوبة السجن بعد إدانتها بتعذيب خادمة كانت تعمل عندها وكيها بالنار في اجزاء حساسة من جسدها وهي جريمة كانت محل حديث الصحف في مطلع الألفية الجديدة (عام 2001) ليسوق لنا هذا الإعلام الدجال أن القضية ملفقة والشهود كانوا شهود زور وكأن القضاء لم يعرف بعد مايسمي بالطب الشرعي وإثبات الإصابات وتاريخها والأداة التي تمت بها الإصابة أو أن هيئة المحكمة كانت مجلسا عرفيا يصدر حكمه بسماع أقوال افراد القبيلة والعشيرة في غياب الادلة وغياب المجني عليها أصلا.
ولا يقل إسنهانة بالعقول واستخفافا بالمعايير الفنية والأخلاقية بل وكل المعايير أن هذا الإعلام الفضائي يستضيف علي شاشاته ممثل حديث التخرج من السجن بعد قضاءه فترة عقوبة لإدانته في حريق المجمع العلمي تلك الجريمة التي تابعها المصريون علي شاشات الفضائيات منذ سنوات (وهي من وجهة نظري الشخصية جريمة شنعاء ولا محل لها من الأفعال الثورية أو الأراء السياسية والأفكار الأيدلوجية فحرق كتاب بالنسبة لي أو تمزيقه أو هدم مكتبة جريمة كانت وستبقي غير مبررة وغير مقبولة علي الإطلاق) ولكن يبدو أن للإعلام الفضائي وجهة نظر أخري ويريد للمشاهدين أن يتعاطفوا مع الأفعال السادية والأفعال الإجرامية الموجهة ضد العلم والثقافة والمعرفة.
لأقول في الأخير ليعمل الممثل أوالممثلة في مجالهما إذا طلبهما المنتجون والمخرجون فهذا شأنهم جميعا ولا دخل لأحد به.
ولكن لا ينبغي (إعلاميا وأخلاقيا) ظهورهم بدور المظلومة أو البطل المغوار وهي الأدوار الصالحة للأداء أمام كاميرات السينما والتليفزيون وليس أمام كاميرات استوديو في برامج من المفترض (إذا صح الإفتراض) أنها محكومة بالقيم والمعايير الفنية والأخلاقية وأنها تخاطب جمهورا مازال يملك عقلا بل ومازال علي قيد الحياة ولم يأو بعد إلي كهف ينام فيه.
أيها الإعلام الفضائي أين حمرة الخجل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق