أسرار وحكاياتالمميزة

حاصد الأرواح 6

 

بقلم.. د.. أسماء كارم

هل تعلم كيف لشخص أن يدرك فجأة أنه حي يسير بين أرواح الأموات؟… هل تدرك مدى خوفك من كل من حولك؟ .. فأنت لا تعلم من منهم حقيقي ومن منهم بات في عالم أخر ولكنه اختارك فقط لتراه  … أذكر بعض مشاهد من أفلام قديمة كانت خيالية للكثير ولكني كنت أصدقها تماماً .. فأنا من هؤلاء الذين يصدقون أن الأطفال ترى أشيائاً ولكنني لم أعلم مطلقاً متى تنغلق بوابة الرؤية.

كتب طارق هذه الكلمات في مفكرته الصغيرة ..ثم وضعها بجيبه .. لم يكن مستوعباً أي من كل الذي حدث .. صمت فجأة ثم قرر التوجه لزيارة جده .. فهو الوحيد الذي يلجأ له دوماً حينما يجد نفسه فى مفترق طرق ولا يعلم إلى أين يذهب .. ربما عنده الحل .. وربما كان يملك الخيار الأخر .

  • جدو .. صباح الخير .
  • تعالى يا طارق .. كنت مستنيك.
  • خير يا حبيبي فيه حاجة ولا إيه .

ابتسم جده ابتسامة هادئة ثم قال :

  • كنت متأكد إنك جاي .. وجاهز للي عاوز تسأل فيه.
  • أنا حلمت بيك امبارح.
  • ومين قالك يا طارق انه حلم؟
  • لا أنا كده هاتجنن .. واحدة واحدة بقى.. أنا كنت مروح فجأة نمت ولقيتك بتقولي كلام كده .
  • شربت القهوة ؟
  • لا .. كانت بردت ….

قالها طارق سريعاً قبل أن يتجمد الدم في عروقه ويشعر بتلك القشعريرة حتى أن صوته كان يرتجف وهو يقول:

  • سمعت كلامك … انت قلتلي ماشربهاش .. انا صحيت فجأة ولقيت نفسي في المستشفى معرفش إزاي … بس …
  • من غير بس .. هو ده اللي لازم تفهمه … فاكر زمان لما كنت بتجيلي خايف من أي حاجة حصلت معاك أو أي حلم شفته وقلتلك اني معاك في كل وقت وعمرك ما هاتكون لوحدك؟
  • جدو أنا بيتهيئلي حاجات .
  • أو بتشوف حاجات محدش شايفها غيرك.
  • مش حاجات .. أنا مش بشوف حاجات .. أنا بشوف أموات .
  • أرواح .. محدش بيشوف أموات .. انت بتشوف أرواح.. وكل اللي حواليك فيه روح .. بتشوف الروح اللي جسمها لسة عايش زي كل الناس .. وبتشوف الأرواح اللي جسمها فارقها .. زي ناس قليلين ربنا وهبهم الموهبة دي.
  • يعني انت جيتلي امبارح مثلاً؟
  • مثلاً..
  • جدو .. لو سمحت تهدى شوية .. أنا كل الكلام ده مش داخل دماغي ولا معدي على تفكيري أصلاً ولو صدقتك ورحت قلت الكلام ده لحد هابقى مريض في المصحة اللي بشتغل فيها دكتور … الكلام ده مممن يتكتب في رواية .. يتعمل فيلم .. لكن أصدق انه بيحصل معايا .. مستحيل .
  • طارق .. انت جاي النهاردة علشان تحكيلي ولا تسألني ولا تتكلم وبس ؟
  • جدو .. أنا هاحكيلك كل حاجة حصلت من الأول .. كل حاجة .. علشان أنا فعلا مش فاهم أي حاجة .
  • إحكي .. علشان افهمك الي انت مش فاهمه.

ظل طارق محدقاً في المرآة .. لأول مرة يشعر بالخوف من النظر في المرآة .. لم تكن نظرته المنبعثة من انعكاس صورته نظرة مريحة .. يعلم تماماً أنه في الواقع لا يمتلك تلك النظرة الحادة الثابتة .. كما لم يعلم أن شعره قد وصل لهذا الطول .. لم يلاحظه بالأمس .. كادت ضربات قلبه أن تتوقف فجأة حينما تحرك من أمام المرآة ولمح انعكاسه ثابتاً .. لم يكن قادراً حقاً أن يرجع خطوة للخلف ليرى نفسه مرة أخرى .. اتجه لخارج الغرفة سريعاً مغلقاً الباب خلفه .. فلربما في لحظات سكون .. يهدأ كل شئ.

ابتسم مجدي وهو يرى طارق جالساً على مكتبه .. وجلس على الكرسي المقابل له وهو يقول:

  • صباح الخير يا عم .. إيه .. مش تقول انك جيت .. بقولك صحيح .. دكتور علي عاوزك تقابل الحالة اياها النهاردة .. وبيقولك قال إيه .. الأوضة مضايقاها .. عاوزة تروح في اوضة تانية … انت  ساكت كده ليه يا بني ما تنطق .. ولا لسة هلاوس امبارح متوهاك ..

وانفجر ضاحكاً حتى قاطعه طارق :

  • هو انت هاتفضل طول عمرك سخيف ؟
  • ايه يا طارق فيه ايه ؟
  • مفيش .. ومش عاوز اتكلم في الموضوع ده .
  • طارق انا مش قصدي .. على فكرة عادي .. مش أزمة يعني انت اللي مكبر الموضوع.
  • عادي؟… هو انت بتشوف عفريت كل يوم عادي يعني ؟
  • مش عفريت يا عم ولا مشكلة بشوف ايه ومش بشوف ايه .. الموضوع كله يعني ان انت مثلاً لو مقتنع بحاجة هاتلاقي نفسك بتترجم كل الأحداث  عليها .. فاكر لما كنا في الكلية وكان نفسك تشتري عربية خنفسة .. وبعد ما كنا بنتريأ وبنقولك دي انقرضت بقينا كل مانمشي في الشارع تقولنا اهيه .. العربية اللي عاوزها .
  • مجدي … هو أنا فعلا ممكن أكون بشوف عفاريت .. بقعد وبتكلم معاهم ؟
  • وإيه يعني ؟… ما عمال المشرحة بيشوفوا عفاريت كل يوم …. فكك من الجو ده وافصل منه خالص .. بقولك ايه ماتيجي نخرج شوية .. نتغدى برة وأنا اللي هاعزمك .
  • تمام …. بس بعد ما اقابل الحالة اللي في اوضة 13.
  • صباح الخير .. ايه اخبارنا النهاردة.
  • عاوزة اتنقل أوضة تانية .. أي أوضة تانية .. مش عاوزة افضل هنا ..
  • طيب إيه رأيك نقعد في البلكونة شوية لحد ما يجهزولنا أوضة تانية ؟
  • ها .. قوليلي بقى إيه اللي مضايقك في الأوضة ؟
  • الساعة معاك كام ؟
  • الساعة دلوقتى 12 .. وراكي حاجة ولا إيه ؟

قالها طارق بابتسامة محاولاً بث الراحة في نفس بشرى.

  • المراية .. مش قادرة أبص لنفسي في المراية .. حاسة ان اللي بيبصلي مش أنا .. كأنها شباك باصص على حد تاني .

للحظة تذكر طارق مرآته صباحاً ولكنه حاول أن يخفي هذا الشعور بداخله.

  • يا ست بشرى المراية دي نفسك .. انتي من برة .. ومن جوه..لما بيكون الواحد مركز شوية عصب العين أحيانا ً بيختل .. نوع من الاجهاد المؤقت .. ممكن يشوف مثلاً إن ملامح الوش بتتغير .. ممكن يشوف مثلاً شعره أطول أو أقصر .. موجات .. طاقة بتتحرك جوه دماغه .. وبتنتقل من عينه لخيالات بره وجوه زي ما قلتلك.
  • كلام جميل يا دكتور طارق ومريح .. جداً .. بس يا ترى الطاقة دي ممكن تخليك تمشي من قدام المراية وخيالك يفضل واقف مكانه ؟

نظر طارق لبشرى وهو مندهش من كلماتها المقتضبة جداً .. حتى قاطعته مرة أخرى قائلة :

  • دكتور طارق .. سارة بتسلم عليك ..

انتفض طارق من فوق كرسيه وظل صامتأ لتقاطعه مرة أخرى :

  • احنا بقالنا قد ايه بنتكلم مع بعض ؟
  • حوالي ربع ساعة .. انتي شفتي سارة فين .
  • انت متأكد إن انت بقالك هنا ربع ساعة بس ؟ مش أكتر ؟

أجابها طارق وهو ينظر لساعته :

  • أيوة مش أكتر بادئين الساعة 12 والساعة دلوقتي …

ظل طارق محدقاً في ساعته ثم نظر لها وقال :

  • الساعة دلوقتي 3 .. مدام بشرى … هو ايه اللي بيحصل بالظبط؟

ابتسمت بشرى ابتسامة عريضة ثم أشارت للمرآة دون أن تنطق .

نظر طارق للمرآة … لم يكن يصدق كل هذا رغم أنه متأكد أنه يراه….. لم يكن يطمح في أي شئ في هذه اللحظة سوى شئ واحد ….. أن يكن كل هذا مجرد حلم … إلأ أن بشرى قاطعته قائلة :

  • مش هاتشوف الحقيقة من بعيد … قرب .

اقترب طارق من المرآة محدقاً لخيال رجل ينظر للأسفل .. ظل صامتاً وهو يراه بدأ يرفع رأسه .. ثم قال بنبرة فزع مختلطة بدهشة وصوت مرتعش …:

  • جدو ؟؟؟؟؟

 

…… يتبع …….

د أسماء كارم مؤلفة الرواية

 

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق