النص الحلو
الْحَيَاةُ زَهْرَةً.. رَحِيقُهَا الْحُبُّ وَزَيَّنَتْهَا الْجَمَالُ

بقلم/ د.ياسمين ناجي
مدرس مساعد بقسم الصحة النفسية- كلية التربية- جامعة السويس
لقد اشتقنا كثيرًا لفصلِ الشتاءِ.. ما أجملُ ليالي الشتاءِ الباردةٍ وبجانبكَ قهوتكَ المُميزةَ التي تُحِبُّهَا وتستمع لأغاني أم كلثوم أو فيروز أو موسيقى عمر خيرت… أأنتَ تُحِبُّ؟ أم تتمنى أن تُحِبَّ وتعيش تلك القصة في يوم من الأيام!.. أيا كانت وجهتكَ وحالكَ وحالتكَ.. فالحَبُّ موجود لا مِحالةٌ منه سواء حدثٍ أو أنت تعيشٌ فيه أو سيحدثُ قريبًا أو لم تلتقِ به بعدَ..
فَالْحُّبُ عزيزي القارىء أنبلٌ وأصدقٌ وأعمقَ صفة منحها الله لنا في قلوبنا، بِالحُبِّ نولدُ ونحيا ونموتُ، بِالحُبِّ نعيشُ ونتغذى ونتنفسُ، بِالحُبِّ نَحلُمُ ونتأملُ ونتمنَّى، بِالحُبِّ نَقتربُ ونَبتعدُ، بِالحُبِّ نُسامحُ ونعفُو، بِالحُبِّ ننْسى ونتناسْى…
الْحُبُّ عاطفةٌ إنسانيةٌ نبيلةٌ، تبنيٌّ ولا تهدمٌ، تُطورُ ولا تُؤخرْ، تُساعد على الحياة ولا تؤدي للدمار، تٌعطي أكثر مما تأخذُ، فالْحُبُّ الإنساني طاقةٌ مُتجددةٌ مستمدةٌ من الطبيعةِ الإنسانيةِ، اعتقدُ أن الله سبحانه وتعالى اختص بها البشرُ دون غيرهم من المخلوقات؛ لأن أحد مكوناتِها العقلَ الذي يُدركُ الآخر المحبوبِ، إلى جانب الانفعال الإيجابي نحوهُ، ثم السلوكِ الايجابي في اتجاه المحبوبِ، وحيث إنه يشمل أشياءُ متعددةُ، فمن الصعب أن يكون لدينا كلمة واحدةً تعني نواحي متعددةُ ومرتبطةٌ ببعضها لهذا الإحساسِ الهام.
وينبغي معرفة وفهم بعض المصطلحات اللازمة للحُبَّ. ولم يتفق العلماء والمفكرون والفلاسفة على مفهوم للحُبَّ، فقد عرفهُ أو فسرهُ كل منهم من وجهةِ نظرِ خاصةٍ، والبعض عرفهُ لغةً واصطلاحًا مثل: الهَوَى، الصَّبابةَ، الشَّغفَ، الوَّجدَ، الكَلفَ، العشقَ، النَّجوَى، الشوقَ، الوصبَ، الاستكانةَ، الودَّ، الخُلَّةَ، الغرامَ، الهُيامَ، التعبُّدَ..
ويُعد الحُبُ أحد جوانب القوةِ في الشخصيةِ السويةِ، فالقادرَ على الحُبِّ، قادرٌ على العطاءِ.. وهو أحد أسسِ الصحةِ النفسيةِ للإنسانِ.. فالحُبْ هو الغذاءُ اللازمُ لضمانِ سلامةِ الشخصيةِ السويةِ حتى في المراحلِ المتقدمةِ من العمرِ.. إنه هذا النوع من الحُبِّ الذي يدعو إلى أني «أحِبُكَّ على الرغم مما تفعلهُ.. أحِبُكَّ لأنك موجودٌ بروحيِّ».
مفهومُ الحُبُّ: عاطفةٌ إنسانيةٌ إيجابيةٌ مستمرةٌ نحو الآخر.
مكوناتُ الحُبُّ: تتطلب ثلاثة مكونات هى:
– الإدارك العقليَّ الإيجابيَّ للآخر المحبوبِ، فيراه حُرًا، مُستقلاً، لا عَبدًا- مُستبعدًا.
– الانفعالُ الإيجابيُّ نحو الآخر المحبوبِ، يُسعدهُ، ويُسعْدُ بهِ.
– السلوكُ الإيجابيُّ نحو الآخر المحبوبِ، يرعاهُ ويحترمهُ ويُساعدهُ على تحقيق الوُجودِ الأفضلِ.
الحفاظُ على الحُبَّ: فالحُبُّ إحساسٌ بالسرورِ، ويتضمن أربعة عناصر:
♣ حريةُ المحبوبِ واستقلاليتهِ: فالمحبوبُ حُرًا لا عَبدًا للمُحِبِّ، فكلاهما مُستقلٌّ عن الآخرِ ويكملُ كلُّ منهما الآخر.
♣ المسئولية نحوَ الآخرِ: فالمتحابانِ كلَّ مسئول عن الآخر، لا فرق بين المُحِبِّ والمحبوبِ في هذه المسئولية.
♣ الرعايةُ: أن يرعى المُحِبُّ حبيبه ولا يتخلى عنه تحت أي ظرف، فالحُبَّ الحقيقي هو الذي يطور الشخصية حتى تكون قادرة على الحُبُّ.
♣ الاحترامُ المتبادلُ بينَ المُحبينَ: وتقدير المُحِبَّ لذاتُ حبيبهِ، وعدم التقليلِ من شأنه من خلال معرفةِ المُحِبِّ للمحبوبِ.
ومما لاشك فيه أننا جميعًا نرغب في الشعور بالسعادة؛ لذا فمن المهم أن نكتشف الأمور التي تحقق أكبر قدر من السعادة، ومنها السلامَ الداخليَّ فحينما نشعر بالسلامِ الداخليِّ يُمكننا الشعور بالسلامِ من حولنا، وعندما نشعر بالحُبُّ والعطفَ نحو الاخرين، فإن هذا لايجعلهم بأنهم يحظون بالحُبِّ والرعاية فحسب، بل إنه يُساعدنا على تنمية السعادة والسلام الداخليين.
في النهاية أود ان أقول أن الحُبُّ خاصيةَ إنسانيةٍ، لم يتفق العلماء والفلاسفة والمفكرون على تعريفه، لم يُحرمهُ الله في شرائعهِ، ونادى به الرسلُ والأنبياءُ والفلاسفةُ والمفكرونَ أساسًا للحياة بين الناسِ والأزواجِ والأبناءِ، كما تغنى به الشعراءُ لوعةً وشوقًا واشتياقًا، وعاشه المُحِبُّون حالةَ وجدانيةَ ساميةَ؛ لذلك يكون ضروريًا لسلامة التعاملاتِ بين الناسِ، ورعايةَ الأبناءِ، ونجاحَ الحياةِ الزوجيةِ بشقيها: الشَّهْويُّ والحَنُونُ، فهنيئًا للمُتحابين في الله من أجَل غَدَ أسْعُدٍ.
فَالْحَيَاةُ زَهْرَةَ رَحِيقِهَا اِلْحَبْ وَزَيَّنَتْهَا الْجَمَالُ كَمَا يَرَى فِيكْتُورُ هَيْجُو.
المراجع:
جبر، جبر محمد. (2017). علم النفس الإيجابي. ط3، الزقازيق: العبير للطباعة.
جولمان، تارابينيت. (2014). الكيمياء العاطفية كيف يمكن للعقل علاج القلب؟ الرياض: مكتبة جرير.