المميزةثقافة وقراءة
المتسامي : قصة قصيرة

قصة قصيرة بقلم محمد جلال
يستفيق فجأة من عالمه الخاص على أصوات متداخلة ، لوهلة لا يتبين موضوع النقاش الدائر بين الزملاء ، عبارات متناثرة حول كرة القدم وارتفاع سعر الدولار وعروض الشقق في التجمع الخامس والعبور ،لا يدري لم لا تستهويه هذه الموضوعات ، قد يسميه البعض مترفعا …او حالما…او مخبولا…لا تعنيه الإجابة ..يكفيه فقط انه سعيد بعالمه !
يحين موعد انتهاء العمل ، يهرع الموظفون الى التوقيع في دفتر الانصراف ، لا يجد في نفسه رغبة في العودة الى المنزل ، تلمع في ذهنه فكرة مفاجئة ، حضور عرض “المولوية ” في ساقية الصاوي .
هناك …وسط القبعات الحمراء المستطيلة والرقصات الدائرية الرشيقة ،تعبق رائحة البخور الزكية أجواء المكان ، تتمايل روحه و تحلق في عوالم سماوية شفيفة ، لا شيء فيها سوى النور.. والفرح…. والألوان.
يدلف الى داخل شقته في حالة من الهيام والنشوة ، ما زالت حلاوة الرقص متقدة في قلبه وعقله ، يخترق اذنيه صراخ زوجته وركضها خلف شياطينهم الصغار بالمقشة ، تقابله بوجه عابس والمقشة مشهرة في وجهه كسيف بتار ، تسأله عن سبب تأخره …ينظر اليها منفعلا وهو يعبث بشاربه الكث ونظاراته المستديرة …يكاد أن يقول شيئا …غير انه يتركها و يمضي واجما .
يضىء انوار غرفة مكتبه ، يجلس الى طاولته الخشبية الصغيرة ، على الطاولة قلم ومحبرة و أوراق بيضاء ، في الزاوية مكتبة مكتظة بالعديد من الكتب ،” غادة الكاميليا” لألكساندر دوماس ، “رأس المال” لكارل ماركس ،”الجمهورية ” لأفلاطون … وغيرهم الكثير ، يتناول القلم ويغمسه في المحبرة ، بخط جميل منمق يشرع في اكمال روايته بعنوان ” المتسامي”. فجأة…تقطع عليه زوجته حبل أفكاره ،جلبابها المبتل معقود على خاصرتها وفي يدها اليمنى دلو بلاستيكي تتوسطه ممسحة خشبية ، تسأله بنبرة متهكمة والشرر يتطاير من عينيها : – طبعا قاعد رايق ولا على بالك ! ….شفت لنا حل في ايجار الشقة المتأخر واقساط مدارس العيال؟ يتطلع في وجهها في صمت مشوب بالترقب والحذر ، بحركة مرتعشة يمد يده الى القلم و يكتب : “كثيرا ما يشعر بالسأم واحتقاره للعالم …وخصوصا زوجته !
تمت