المميزةتحقيقات وتقارير

القمة العربية الأوروبية.. كتابة جديدة للتاريخ أم إعادة إنتاج للماضي؟

صوت الوطن – محمد عيد:

مع انطلاق أعمال أول قمة  عربية – أوروبية بمدينة شرم الشيخ اليوم، تبدأ دول ضفتي المتوسط بشماله وجنوبه حوارا جماعيا غير مسبوق، في لحظة تسيطر فيها على كل طرف شواغل حقيقية، وتجمع الطرفين  تحديات خطيرة.

القارة الأوروبية العجوز تأتي إلى الضفة الجنوبية من المتوسط هذه المرة، وهي لا ترتدي ثوب المستعمر القديم الذي طالما تدفقت جيوشه عبر البحر إما في صورة غزاة فاتحين كالإسكندر الأكبر، أو غزوات لصوصية لنهب ثروات الشرق تحت ستار الدين كالحملات الصليبية، أو في صورة قوى حديثة تبحث عن ثروات الشرق لتوفير الموارد لثورة أوروبا الصناعية، وفي كل تلك الحالات كان الشرق مفعولا به، مستغلا ومنهوبا ومحتلا.

الآن، ورغم أن العيون الأوروبية لا تزال تتطلع إلى ثروات الشرق، لتخرج القارة العجوز من أزماتها المتلاحقة، وتوفر الوقود والاستثمارات السخية للآلة الاقتصادية الأوربية التي يبدو أنها تواجه تحديات حقيقية تهدد مستقبلها، وتضع دولة الرفاه في اختبار قاسٍ على غرار ما شهدته اليونان وفرنسا، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور في بريطانيا بعد إتمام الـ”بريكست”، لكن الضفة العربية للمتوسط يبدو أن لها مطالب أيضا.

فالسياسات الأوروبية المنقادة أمريكيا كبدت العرب فاتورة باهظة، ولا تزال، ولا يمكن أن تستمر تلك المعادلة المختلة طويلا، فالعرب أيضا يبحثون عن مصالحهم، ويحتاجون إلى من يستمع إلى صوتهم.

صحيح أن العرب لا يتحدثون بصوت واحد، لكنهم على الأقل يدركون اليوم ضرورة أن تسمع أوروبا صوتهم مجتمعين، فالمصالح ينبغي أن تكون متبادلة، والشرق الذي كان يفيض لبنا وعسلا، بات يغيض صراعا وتمزقا، والسياسات الأوروبية كانت واحدة من الأدوات التي ساهمت في صناعة واستفحال الأزمات الطاحنة التي تعيشها المنطقة حاليا، سواء في ليبيا أو سوريا أو من خلال تواجد رؤوس وممولي الإرهاب في المنطقة على الأراضي الأوروبية.

وربما كانت هذه الرؤية السياسية الاقتصادية التي لا تنفصل، هي الدافع الرئيسي أمام تنظيم القمة تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار”، فالمنطقة العربية تحتاج إلى الاستثمار كي تنعم ببعض الاستقرار، وكذلك أوروبا تحتاج إلى الاستثمار كي يدوم فيها الاستقرار، إذن المصلحة مشتركة، والهموم التي تجمع 49 دولة مشاركة (21 دولة عربية و28 دولة أوروبية)، يمكن أن تقود إلى تقدم نوعي على الأقل في قضايا مثل التجارة والاستثمار والهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب وأزمات منطقة الشرق الأوسط.

وكما كان الاقتصاد هو جوهر المطامع الأوروبية في ثروات الشرق، إلا أنه يمكن أن يكون أيضا جسرا لإعادة الثقة، خاصة في ظل تنامي التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية بنسبة 7% حيث بلغ 315.9 مليار يورو خلال عام 2017 مقارنة بـ 295.5 مليار يورو عام 2016، فضلا عن ارتفاع الصادرات العربية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 20% لتصل إلى 121.6 مليار يورو خلال عام 2017 مقارنة بـ101.2 مليار يورو خلال عام 2016.

ويحتاج العديد من الدول العربية إلى إسهام أوروبي حقيقي في مرحلة إعادة الإعمار بعد ما يسمى بـ”الربيع العربي”، ولدى أوروبا الكثير من الأذرع التمويلية والتنفيذية المفيدة في هذا الشأن، ومنها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والذي تتجاوز استثماراته في الدول العربية عشرات المليارات من اليورو، تستأثر منها مصر بالنصيب الأكبر، حيث تأتي  في المرتبة الأولى بإجمالي 92 مشروعا باستثمار تراكمي بلغ 4754 مليون يورو، تليها دولة المغرب بإجمالي 50 مشروعا باستثمار تراكمي بلغ 1759 مليون يورو.

الطموحات تبدو كبيرة من خروج تلك القمة بنتائج حقيقية، تتجاوز مشاعر الفخر بذلك الحضور رفيع المستوى عربيا وأوروبيا، وهو بالفعل حضور مميز، يعكس إدراك الطرفين خطورة الموقف، وحتمية التعاون.

فهل تعيد قمة شرم الشيخ العربية الأوروبية كتابة التاريخ بين ضفتي المتوسط؟ أم تكرس أخطاء الماضي؟

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق