من القلب للقلب

الرد على رسالة…. على باب المحاكم

 

 

 

 

 

تقديم/د. أماني موسي 

 

 

لقد بدأت في الظهور على السطح بشكل مقلق ظاهرة *تأزُّم العلاقات* بين الإخوة والأخوات، وسرعة تفكك هذه الرابطة – لأدنى سبب وانقلابها إلى عداوة مستحكمة قد لا تكون مع الأعداء الحقيقيين، فربما لجؤوا إلى المحاكم، واستفحل النزاع وورثوه لأبنائهم، وتفرقت العائلة فصارت فريقين أو أكثر.

قال الله تعالى ممتنا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً ‌فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103]. فتأمل كيف عبّر الله عن العلاقة القوية بين المؤمنين ب(الأخوة).

 

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “وكونوا عباد الله إخوانا”.

أصبح الإفساد والوقوع في المحظور أمرا شائعا في كثير من مجالسنا، وبدلا من «سوالف» الآباء والأجداد، تحول الكثيرون -إلا من رحم ربك- إلى أن يتخذ من سيرة الآخرين مجالا للهمز واللمز والتشهير، بل والكذب والافتراء، والبعض يرى في ذلك مادة للتفكه والتندر والسخرية، مع أن هؤلاء جميعا يقعون في المحظور، ويخالفون تلك القيم والأخلاق السامية التي غرسها وأرساها ديننا الحنيف، من خلال نصوص قرآنية كريمة، ونبوية شريفة، حاسمة قاطعة لا تقبل التأويل.

 

فالأخوة ليست *أسماء مرصوصة في بطاقة رسمية* .. ولا أوراقا مرسومة في شجرة العائلة، ولاعلاقة صداقة قد تُنهيها حين يغدر بك الصديق ويخون .. إذ لاتخضع هذه العلاقة لميزان المقابلة فإن زرتني زرتك .. وإن أعطيتني أعطيتك .. وإن أحسنت إلي أحسنت إليك .. إن الأمر يختلف تماماً عند الرحم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ” ليس الواصل بالمُكافئِ، ولكنَّ الواصلَ مَن إذا قطَعَتْه رَحمُه وصَلَها”.

فمن يقيس عطاء الأخوة بقانون الأخذ والعطاء لن يحصد سوى جفاف المشاعر، وقسوة القلب.

إن روعة الأخوة أن تُشعِر أختك أو أخاك بقيمته في حياتك .. باشتياقك له .. بأن أمره وهمومه ومشكلاته تعنيك .. بأن دموعه تنحدر من عينيك قبل عينيه .. أن تسنده قبل أن يسقط .. أن تكون عكازه قبل أن يطلب منك ذلك ..

 

*وما المرء إلا بإخوانه ** كما تقبض الكفُّ بالمعصم*

*ولا خير في الكف مقطوعة ** ولا خير في الساعد الأجذم*

فأنتم إخوة .. خُلقتم وتشكلتم في بطن واحد ، وعشتم في البيت نفسه ، وأكلتم من الطبق نفسه ، وشربتم من الكأس نفسها ، واحتفظتم بالذكريات نفسها ، ولذلك لن تستطيع نفسك الأمارة بالسوء أن تمحو كل ذلك ، وحتى لو حاولتَ، ستشعر في نهاية كل يوم بتأنيب الضمير، فالدم الذي يسري في عروقك سيشعرك بالحنين لإخوة يقاسمونك كريات دمك نفسها !!!

*فيفترض أن تغلق كل الأبواب بوجه شياطين الإنس والجن الذين يريدون أن يوقِعوا العداوة والبغضاء بينك وبين إخوانك*.

 

ومن الضروري – في سبيل ذلك – أن تضع *خطوطا حمراء* لزوجتك (أو لزوجكِ) ولأبنائك وبناتك حين يكبرون، ولا تسمح لهم بتجاوزها، خاصة فيما يتعلق بإخوانك وأخواتك .. فأغلب مشكلات القطيعة بين الإخوة تكمن في تدخل الزوجات أو الأزواج والأبناء والبنات، وإيغار صدور الإخوة على بعضهم البعض .

 

لذلك فاحذر أن تسمح لهم أو لغيرهم بالتدخل في تشكيل إطار علاقتك بإخوتك، فقد يدفعون بك نحو طريق القطيعة والبعد، وهم يُشعرونك أنهم أكثر إخلاصا ومحبة لك، وخوفا عليك.

 

وإذا ما سمحت بذلك فسترى المشهد نفسه يتكرر بين أبنائك، والقطيعة تدب بينهم وأنت تتحسر عليهم، لأنه كما تدين تدان ، وكما تزرع تحصد.

فإياك ثم إياك أن تفرِّط بإخوتك من أجل تَرِكَةٍ مهما كانت، أو من أجل مال زائل، أو أي شيء في هذه الدنيا الملعونة، فكل شيء يمكن تعويضه .. ما عدا الأخوة

وتذكر – أخي المسلم – أن هذه الدنيا قصيرة فانية، وصفها الله بقوله: ﴿‌وَيَوْمَ ‌يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: 45]. فاستمتع بدنياك مع أهلك وإخوانك ورَحِمك، ودعك من نزغات الشياطين، فالدنيا – والله – لاتستأهل ساعة هجر أو قطيعة مع إخوانك، وابتسامة واحدة أو مكالمة أو رسالة تلقي فيها السلام على أخيك تنسف جبالا من القطيعة والضغينة بينكما، وتغذي روحه وتبهج نفسه لأيام وأيام …

أسأل الله أن يقينا من شرور أنفسنا والانتصار لها، ومن شر الشيطان وشِركه، ويجعلنا ممن يصل رحمه ويبلها ببلالها، ويتقبل دعاءنا :

 

﴿‌رَبِّ ‌اغْفِرْ ‌لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 151]

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق