المميزةالنص الحلو
الرد على رسالة… حينما نفقد لذة الحياة

تقديم /د.أمانى موسى
هل من الممكن أن يصل الإنسان إلى مرحلة ينعدم فيها إحساسه بمتعة الحياة ومعانيها ويفقد اللذة تجاه كل ما كان يثير سعادته في السابق؟ وكيف تختفي فجأة قدرته على رؤية الألوان ويبتلعه السواد الذي أصبح طاغياً على كل تفاصيل حياته؟ وهل العالم قاسٍ إلى هذه الدرجة أم أن شيئاً داخله قد انطفأ؟
هل الحياة تمادت بقسوتها علينا؟ وهل يمكننا مد يد العون لإنسان ومساعدته وتلوين عالمه من جديد؟ وهل من الممكن أن نقع نحن أيضاً فريسة لفقدان التلذذ وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة؟
نحن بشر، يسيطر علينا من وقت إلى آخر إحساس مؤقت بالملل من كل شيء وفقدان الرغبة بالحياة، لكن ما إن نمارس أحد نشاطاتنا المحببة إلى قلوبنا حتى تعود البهجة لتملأ قلوبنا من جديد، ويعود لنا إحساسنا بمتعة الحياة وجمالها، فكم مرةً قضينا على ألمنا آخر الليل بمشاهدة فيلم جميل أو قراءة كتاب ملهم أو سماع موسيقى عذبة؟ وكم مرةً انتشلتنا ضحكات الأصدقاء من حزننا وأعادت لنا الابتسامات والأحضان رغبتنا في الحياة!
نحن نمضي في حياتنا في مسارات مختلفة ومشاعر متباينة، فيحدد بعضنا ما يريده من الحياة ويسعى إليه بهدوء وثقة واتزان؛ بينما يقضي البعض الآخر حياته متخبطا بين خيارات الحياة، مختبراً مشاعر الضياع بكامل صورها القاسية، وطامحاً في الوصول إلى حالة السلام والرضا النفسي.
لقد أصبحنا تحت رحمة التيه والفوضى والتشتت وأصبح الضياع النفسي أكثر المشاعر تمثيلاً لنا.
عزيزى صاحب الرسالة:
*نصائح ستساعدك للخروج من مرحلة الضياع تلك إلى مرحلة القوة، ستذكرك هذه النقاط بمن تكون، ستساعدك على استرداد عافيتك سريعا، ستعينك على استعادة مكامن قوتك التي تمتلك لتصنع مجدك من جديد.
-شغلتنا الحياة بتحدياتها وأحداثها وتقلباتها وسرعتها، وافتقرت علاقاتنا إلى الروحانية والصدق.
فأنت يمكنك أن تتخطي ما تمر به ويمكنك استرجاع نفسك واستعادة حياتك، فقط كن قوياً ولا تخف، فأهم ما في الأمر أن تقاوم وتتحلى بالشجاعة للمواجهة، فأنت لست الوحيد الذي يعانى ولن تكون الناجي الأخير، فجميعنا يمر بمثل هذه المرحلة، وما يميزك هو أنك لن تستسلم ولن ترضخ لمحاولة سلبك حياتك.
ـ اتصل مرة أخرى بأحلامك ولتكن هذه المرة أحلاما كبيرة!
ما نوع الأحلام والأهداف التي كنت تمتلكها قبل أن تتيه نفسك في بحر الحياة الصاخب؟ ما الذي كنت تعتبره مستحيلا وغير ممكن بالنسبة لك؟ احضر مذكرتك وأعد ترتيبها، أعد صياغتها بشكل جديد، ولتضف إليها أهدافا عظيمة، اجعل عالمك مثاليا، واعرف بالضبط ما الذي تريد أن تصيره، تملكه أو تفعله، ما الذي ينقصك الآن؟ بمجرد أن تعيد ترتيب أحلامك ستعتريك الرغبة مجددا في الحياة وفي النجاح، ستعتريك تلك القوّة لتخرج من بؤسك الذي رسمته لنفسك، سيأتيك الحافز الذي غاب عنك وفجأة ستعود إليك نشوتك مجددا.
-راجع علاقتك مع الله:
تأتي حالة الضياع عادة من ضعف الاتصال باللَّه، ففي اللحظة التي يُدرك فيها الإنسان أن اللَّه هو الخير المطلق، ينجح في اختبار الحياة بأعلى الدرجات؛ وينال قيمة السلام والثبات والاطمئنان.
ابتعدنا عن اللَّه في وسط كل هذا التسارع المخيف للحياة، وكانت النتيجة: ضياعنا النفسي،فراجع علاقتك مع الله وابقَ هادئاً مطمئناً، واعلم أنَّ اللَّه غني، وأنه إلى جانبك دوماً، وانطلق واثقاً باللّه وبنفسك، وسيختفي الضياع بعد ذلك من حياتك إلى غير رجعة.
– هل جربت يوما أن تُجري حديثا صادقا مع ذاتك بخصوص تفاصيل يومك، وعن القيمة التي حققتها خلال يومك، وعن السلوكات التي كانت إضافة حقيقية إلى هدفك ورسالتك في الحياة؟
تضيف منهجية التفكير هذه إلى حياتك توازنا وقيمة وسعادة.
-عندما تشعر أن العالم خارج غرفتك غابة موحشة ونحن ندرك تماماً أن ما تمر به ليس سهلاً ونقدِّر كل إحساس تعيشه – أنك قبل وقت قصير لم تكن تشعر بذلك؛ بل كنت تعيش لحظتك الخاصة وتستمتع بها، وكنت تعتقد أحياناً أنَّك امتلكت العالم كله بعد أن تنهي فيلماً أو كتاباً أو تنجز عملاً هاماً.
ضع حداً لكل هذا الملل عندما تكون فريسة السأم وفريسة الأيام المتشابهة والأعمال المكررة والمشاعر المستهلكة، واذهب في رحلة واكتشف عالماً جديداً واصنع أياماً مختلفة وعد بحقيبة مليئة بالذكريات والمغامرات، صدِّقني ستجد أنَّ ثمة أشياء تستحق الحياة.
-جرب أن تكون مصدر سعادة لأحدهم أو سبباً لابتسامة طفل يبيع العلكة أو عجوز يقطع الشارع، وجرب أن تعطي لو أشياء بسيطة ومعنوية، أو تقدِّم المساعدة للمحتاجين، فلا شيء من الممكن أن يشعرك بالسعادة ويعيد إليك الإحساس بقيمتك مثل العطاء، ولا شيء سيكون مفعوله سحرياً على روحك مثله.
-لا تكابر على مشاعرك؛ بل عش حزنك إلى الرمق الأخير، لكن قبل أن تنهار افتح قلبك ومد يدك لأهلك وأصدقائك، فالجميع بانتظارك وجاهزون للوقوف بجانبك.
-خذ إجازة من عملك وغيِّر في نظام حياتك ومارس الرياضة وتعلَّم الاسترخاء وتعلَّم مهارات جديدة.
-حاول أن تضع لكل أسبوع مهمة مهما كانت بسيطة، وتأكَّد أنَّك ستكون مستمتعاً جداً وأنت تحاول تحقيقها وستشعر بالسعادة عندما تنجزها، فمثلاً من الممكن أن تكون مهمة هذا الأسبوع جمع ملابس من أهالي الحي وتوزيعها على الفقراء، أو الخروج مع جارك العجوز الوحيد في نزهة، أو مساعدة طالب محتاج بدروسه، أو حتى مهام خاصة بك، أو شراء ملابس جديدة أو كتاب، أو الذهاب لحضور حفلة.
لا تتردد بطلب المساعدة من أهلك أو أقربائك أو أصدقائك، وإذا لم تشعر بالراحة فليس عيباً أن تلجأ إلى طبيب متخصص.
-وسع دائرتك ومنطقة أمانك بشكل منتظم:
وحافظ على ذلك، فهذا هو الوقت المناسب لتعيش بعض الانزعاج، وأن تقول أنّك لا تحس بالراحة بتجريب أشياء جديدة، التقاء أشخاص جدد أو زيارة أماكن جديدة، قد يكون هذا غير مرغوب للكثيرين، لكن النمو والتطور لن يحدث أبدا وأنت قابع في دائرتك المعتادة أين كل شيء يبدو لك مألوفا فيها، تحد نفسك لتفعل أشياءً مجنونة بعض الشيء، لتكون نشيطا ثانية اطرد عنك الملل، وهذا ما أحب أن أسميه بالفضاء الرحب وهو المنطقة التي لا نقبع بداخلها، بل هي الفضاء الذي نتمدد فيه لعظمته المستمدة من عظمة الخالق، فهناك فقط نستطيع أن ننمو ونتطور. ما الفكرة الأولى التي جاءت في ذهنك؟ اذهب وقم بها ولا تتردد.
ـ استرخ وفي هدوءك أنصت!
كل يوم هناك إشارات من الله الذي لن يتخلى عنا أبدا، هناك رسائل من عنده، هناك دلائل هي التي ستحفزك لتسير في الأرض وتسعى فيها، لكنك لن ترى تلك الإشارات إلّا إذا كنت صافي الذهن منفتح البصيرة غير قانط وغير يائس. ففي ظل الفوضى والتلوث والضوضاء التي نعيشها في عصرنا هذا، صار من الصعب علينا أن نفهم لغة الله واشاراته التي يخاطبنا بها في كائناته كل يوم، لذا فمن الواجب أن نهدأ وننصت ونتدبر ونتأمل في خلقه تعالى.
ـ تذكر أنك تمتلك القوة لتكون ما أردت!
ما دام الله أعطاك تلك الفكرة في رأسك فهي ليست مستحيلة التحقيق، لقد أعطاك الله قوة داخلية جبارة لتصنع الحياة التي تريدها ما دامت في الخير، فكيف له أن يخيب سعيك وظنك بعد ذلك؟ لقد وُهِبت قوة وموهبة لتعيش سعيدا بشغفك ولتحصل على الأجوبة التي طالما كنت تبحث عنها، قد يكون ما تبحث عنه في التحفيزات الذاتية، في الرياضة، في الدعاء، في الصلاة أو في التأمل، ربما في مذكراتك أو ربما على شكل آخر، تحتاج فقط لصفاء ذهنك ولتركيزك لتجد ما تبحث عنه، فالكون يساعدنا فيما نعجز عن إيجاده، هي قدرة الله وصنعه المبدع.
نؤكد لك أننا لا نخفف أبداً من قيمة مشاعرك ولا نقلل من حزنك ولكننا فقط واثقون بقدرتك على تجاوز هذه المرحلة بكل ما فيها من صعوبة، فتخيل كم من الجميل أن تشعر بولادة جديدة وتتعرف إلى الحياة من وجهة نظر أخرى، وأن تتعلم كيف تتقبل الألم كما تتقبل السعادة تماماً، وتختلق لحظات الفرح من أشياء بسيطة لم تكن تنتبه إليها سابقاً.
تأكد أنك في نهاية المطاف ستكتشف أن الحياة جميلة بحلوها ومرها، وأن إحساسنا بالألم ليس إلا دليلاً على وجودنا، وليس بالضرورة أن تعيش حياةً هانئةً دائماً وأوقاتاً سعيدة وأفراحاً صاخبة ونجاحات باهرة حتى تستمتع بحياتك؛ بل يمكنك الاستمتاع بالأشياء البسيطة والحياة العادية التي تعيشها.
اعلم إذاً أنك لست وحدك في هذا، فكلّنا نمر بمثله وربّما أسوء بين الحين والآخر، ومن هنا وجب عليك أن تعرف أن حياتك أبداً لم يُحكم عليها بالفشل لسبب سقوط واحد مماثل، هذا أبداً لم يعني يوما أنّ كل شيء قد انتهى وولّى إلى غير رجعة، هذا لا يعني أبداً أنّك لن تجد نفسك ثانية بعد كلّ وجعه، فالأمر يعني فقط أنّك تمر بمرحلة حضانة وتحول، أحب أن أسميها مرحلة نمو والتي تسبقها دائما مرحلة خمولٍ أو كسل، واليأس والاكتئاب هما ضيفاك البغيضان هنا، إذ يأتيان لزيارتك، فإن وجداك ضائعا لا تعرف لم يحدث معك كلّ هذا، فسيقعدان معك بالغصب، ويُقعِدانك في زاوية بيتك الكريهة، وصدقني إنّهما لن يرحماك.
لذا فالسر في التعامل معهما هنا هو في كسرهما لا في الركون إليهما، ففي حالتك هذه يجب أن تتحدى الألم وتتحداهما، وبئس الضيفان هما، ولتضربهما بقبضة من حديد بكل قوتك الإبداعية روحاً وجسدا كي تخلق الحياة التي تحب بقلب من حديد.