المميزةمن القلب للقلب

الرد على رسالة….الضغوط النفسية وقلق المستقبل

 

 

 

تقديم /د.امانى موسى

 

 

لا شك أن المرض النفسي من أقسى أشكال الابتلاء؛ ليس لشدته أو قسوته على النفس فحسب، لكن لعدم تقبل الناس له وفهمهم لحقيقته، لكنه في الحقيقة مرض كغيره من الأمراض العضوية، فمريض السكري والضغط تتأثر حياته أيضا، وقد تأتيه أيام يلازم الفراش، ولا يمكنه قطع الدواء، وإلا عرض نفسه لمخاطر الانتكاس، لكن الفرق أنه مريض محاط باهتمام الناس وتفهمهم، بينما المريض النفسي يُخبئ مرضه كمن يُخبئ تهمة يخشى أنْ تفضحه!

 

ولكن علينا أن نفهم أولاً معنى الاضطراب النفسي

 

قبل أن نجيب على أسئلة صاحبة الرسالة وهى كالاتى :

– هل يصح أن يتزوج المريض النفسي؟

أخشى أنْ أرفض فأندم، أو أنْ أُوافق فأندم، وخائفة جدا من المستقبل !!!

 

-ما تأثير الأعراض النفسية على العلاقة الزوجية؟

 

-هل أوافق على الزواج وانا كنت أعانى من اضطراب نفسي؟

-إذا كنت أعاني من اضطراب نفسي، هل يمكن أن يصاب اولادى بنفس الاضطراب؟

-هل ما أعاني منه سيؤثر على علاقتي بأولادى ويجعلهم مرضى نفسييين؟

 

 

 

▪️الاضطراب النفسي :

هو مجموعة من الأعراض المرضية التي تظهر على مستوى الأفكار والمشاعر والسلوك. وهى مجموعة من الأعراض، وليست عرضاً واحداً.

 

ولكي يشخص الطبيب الاضطراب النفسي، لا بد أن تكون هذه الأعراض مجتمعة ومستمرة لمدة محددة حسب كل تشخيص وأن تسبب للشاكي تدهوراً ملحوظاً في حياته الشخصية، كأن تؤدي إلى عدم اهتمامه بنظافته أو إلى اضطرابات في النوم، أو تؤثر سلباً على حياته الدراسية أو الوظيفية، في صورة التأخر الدراسي أو فقدان الوظيفة، أو تؤثر سلباً على حياته الاجتماعية، مثل تدهور علاقة المريض بالشريك وبأفراد الأسرة والأصدقاء.

 

بالتالي، علينا أن نكون حذرين عند التعامل مع الاضطرابات النفسية، إذ قد نظن لأول وهلة أن بعض السلوكيات أو الطباع الشخصية اضطرابات نفسية، ولا تكون في الحقيقة كذلك.

 

لذلك لا يمكن أن يشخِّص الإنسان نفسه، إنما عليه اللجوء إلى الطبيب النفسي الذي يأخذ منه تاريخاً مفصلاً، ويفحص الوظائف العصبية العليا كالتفكير والمزاج والكلام والإدراك والسلوك والحكم على الأمور والاستبصار، حتى يتمكن من معرفة ما إذا كنت تمر باضطراب نفسي محدد، أم لا.

 

وإذا ثبت وجود الاضطراب، يبحث الطبيب مع المريض أسبابه وطرق علاجه. أما في حالة الأعراض البسيطة، فقد يوجه الطبيب صاحب الأعراض لتعلم بعض المهارات التي تمكنه من تجاوزها.

▪️عزيزتى :

▪️الان اجيب على سؤالك :

– هل يمكن أن تنتقل الاضطرابات النفسية وراثياً إلى أبنائنا؟

 

هنا علينا أن نعرف أسباب هذه الاضطرابات، لأننا إذا توصلنا إلى الأسباب سنتوصل إلى معرفة إمكانية توريثها.

 

حتى الآن لا نعرف الأسباب المؤكدة لحدوث الاضطرابات النفسية، إلا أن جميع الأبحاث تشير إلى أن هذه الاضطرابات تحدث نتيجة تفاعل أسباب بيولوجية ونفسية وبيئية أو اجتماعية.

 

لذلك، عند علاج الاضطرابات النفسية، لا بد أن تشمل خطة العلاج تدخل بيولوجي عن طريق الأدوية، وتدخل نفسي عن طريق الجلسات النفسية، وتدخل بيئي أو اجتماعي.

 

1. الأسباب البيولوجية :

أكدت الدراسات أن بعض الاضطرابات النفسية تحدث نتيجة حدوث خلل وظيفي أو تركيبي في خلايا مناطق محددة في المخ أو في الوصلات بين الخلايا، كما أن التغير في نسب الناقلات العصبية الكيميائية كالسيروتونين والدوبامين والجلوتامات والنورابينيفرين في مناطق المخ المختلفة له دور رئيسي في حدوث الاضطرابات النفسية.

 

وهناك أسباب بيولوجية أخرى مثل:

 

-الإصابة ببعض العدوات البكتيرية التي قد تتسبب في حدوث ضرر في بعض مناطق المخ.

-حدوث إصابة في بعض مناطق المخ، ومنها الصدمات التي تحدث أثناء الولادة.

-سوء استخدام العقاقير مثل الحشيش والأمفيتامين.

-التغذية غير المناسبة والتعرض لبعض السموم.

 

2. الأسباب النفسية :

هناك نظريات ومدارس مختلفة تفسر ظهور الأعراض النفسية مثل النظرية الديناميكية والمعرفية والسلوكية والوجودية، وغيرها، وقد يطول شرح أسباب الاضطرابات النفسية في كل مدرسة فيها.

 

ولكن من أمثلة الأسباب النفسية:

 

-التعرض للصدمات النفسية مثل التعدي الجسدي والاستغلال العاطفي (استغلال المشاعر) والتعدي الجنسي.

-فقد أحد الوالدين في سن مبكرة.

-العلاقة غير المشبعة أو المتحكمة أو مفرطة -الحماية مع أحد الوالدين أو كلاهما.

 

3. الأسباب البيئية أو الاجتماعية :

التعرض للضغوط الحياتية بإمكانه أن يؤدي إلى ظهور أعراض نفسية عند الشخص المعرض للإصابة مثل:

 

-الانفصال والطلاق

-الإقالة من الوظيفة

-الهجرة

-فقر الدعم الاجتماعي

-الضغوط المادية

-فقد شخص مهم لك

-دور الوراثة

من بين مصادر الاضطرابات النفسية التي ذكرتها، يعتبر عامل الوراثة البيولوجي من عوامل الإصابة بالاضطرابات، هذا يعني أنه إذا كان أحد الوالدين مصاباً باضطراب، ستزيد فرصة أطفاله في التعرض إليه.

 

ويتضح هذا التأثير الوراثي بشكل أكبر في مرض مثل “الفصام” (شيزوفرينيا)، فإذا كان أحد الوالدين مصاباً بالفصام فنسبة حدوث الفصام للأبناء 10%، وإذا كان الوالدان مصابين تصل النسبة إلى 40%.

 

يعتقد العلماء أنه يجري توريث الجين – أو الجينات- الذي يعرِّض الفرد للإصابة، ومع ذلك علينا أن نكون حريصين في التعامل مع هذه المعلومة، فكما ذكرنا قبل قليل، الاضطراب ينتج عن عوامل عديدة، فإذا تشابك العامل البيولوجي مع العوامل النفسية والبيئية والاجتماعية الأخرى، قد يظهر المرض. ولكن المرض أيضاً قد لا يظهر، إذا غابت العوامل السلبية الأخرى.

▪️توجد نقطة أخرى مثيرة للاهتمام، إذ ذكرت عدة دراسات أنه يمكن توريث الاستجابة للعلاج ومآل المرض عند الأب أو الأم، بمعنى أنه إذا كان أحد الوالدين مصاباً بالاكتئاب وتعافى منه، قد يشير هذا إلى ارتفاع نسبة الشفاء عند الأبناء إذا أصيبوا.

 

▪️عزيزتى :

لنعد الآن إلى إجابتي على سؤالك

إذا كنت أعاني من اضطراب نفسي، هل يمكن أن يصاب اولادى بنفس الاضطراب؟

 

إجابتي كانت: “نعم ولا”، أو”ليس بالضرورة”. بيولوجياً تزيد فرصة ظهور الاضطرابات النفسية عند الطفل ذي الأبوين اللذين يعانيان منها، ولكن في المقابل إذا استمررت في العناية بنفسك، ومن ثم العناية بالطفل وتربيته في بيئة صحيحة وآمنة نفسياً قد تتناقص أو تنعدم هذه الخطورة.

 

على جانب آخر، إذا لم تكوني تعانين من أي مشكلة نفسية، ولم يتلق الطفل تربية سليمة، سيصاب الطفل بالاضطراب، رغم غياب أي عامل وراثي.

 

قد لا تكون الإجابة بهذه السهولة في الحالات الحادة والمتقدمة من أي اضطراب نفسي، مثل حالة الفصام الشديد التي كان يعاني منها الشاب الذي سألت أمه عن إمكانية دخوله في علاقة.

 

هنا، لا يمكن إغفال أن الكثير من المدارس العلاجية تخبرنا أن وجود علاقة آمنة وصحية مع الآخر من أهم أسباب التعافي من المرض النفسي. ولا مانع في كل الأحوال من الدخول في علاقة أو الإقدام على الزواج طالما صارحت الطرف الآخر بحقيقة مرضك، وأشركته في خطة العلاج.

▪️عزيزتى :

أما من جهة الإنجاب، فعليكى استشارة الطبيب ليقدِّم لك النصح المناسب لحالتك، لأن كل حالة مختلفة عن الأخرى.

 

▪️أخيراً، إذا كنت تعاني من اضطراب نفسي، وتخشى أن يؤثر على علاقتك مع شريكك، وعلى أبنائك، اقدم لك النصائح التالية:

 

-الذهاب إلى طبيب متخصص في حال وجود أعراض تسبب الضيق والانزعاج

-معرفة طبيعة المرض وأسبابه وطرق علاجه ومآله من قبل الطبيب

-مشاركة الطبيب بالمخاوف التي تراودك

الالتزام بالخطة العلاجية

-مشاركة الشريك بطبيعة المرض واحتمالية انتقاله للأبناء

-إشراك الشريك في الخطة العلاجية

-تعلم الطرق والأساليب الصحية لتربية الأطفال وتوفير البيئة المناسبة لهم

-الاستماع إلى الأبناء وتفهم مشاعرهم وإعطائهم المساحة للاستكشاف مع الوقوف بجانبهم ودعمهم

-الاستماع إلى الابن إذا كان لديه أعراض نفسية وعدم التردد في العرض على الطبيب لأن العلاج المبكر يساهم في التعافي بشكل أفضل ويمنع حدوث المضاعفات

 

▪️عزيزتى :

لأختصر عليك المشكلة:

 

المريض النفسي قادر على ممارسة حياته بشكل طببعي لو اعتنى بنفسه، واهتم بعلاجاته؛ ربما عندما كنت بنوبة اكتئاب شعرتى بهذا، لكنك حينما تجاوزتيها كان الأمر سهلا ، المهم أنْ تكوني مستمرة بعلاجك، وأنْ تتابعي بشكلٍ دوري عند طبيب نفسي، وألا تقصري بالأدوية أبدًا، فمرضك يحتاج دوما دواء للوقاية لو لم يكن للعلاج، قيسي ذلك على مريض السكري أو الضغط؛ هو نقص عضوي، ويحتاج إلى متابعة دوائية، وقطع الدواء قد يكون له خطورة عليك وعلى نفسيتك؛ فعدم الانتظام به يعرضك للنكسات أكثر!

أنت أيضا بحاجة للعلاج المعرفي مع العلاج الدوائي؛ لتكوني قادرة على استعادة الثقة بنفسك والعودة للمجتمع والإنجاز.

 

▪️عزيزتى :

كونك تشعرين بداخلك بالمسؤولية، وواعية لوضعك وحالتك، وهذا ما لمسته من أسلوبك وكتابتك، فلا تقلقي؛ أنت قادرة- بإذْن الله – على تجاوزها.

 

 

ثقي أنَّ الله الذي قدَّر عليك الابتلاء هو القادر وحده على أنْ يُخففه عنك؛ لذلك لا تهتمّي كثيرًا لمواقف الناس من مرضك، ولا تجعليها هاجسا تقلقين منه، تعاملِى بثقة، ومع الوقت ستفرضين على من حولك احترامك والثقة بك مهما كان مرضك.. انفضي عنك غُبار القلق، وعودي للحياة من جديد، ومارسي الأعمال التي تَشعرين أنها تساعدك.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق