أقلام حرّة
البلد ليها عمدة

بقلم : يحي سلامة
(الكبير في البلد هاينام نومتك ديه عشان تعرفوا إن البلد ليها عمدة) هذه الجملة التي قالها الفنان الكبير الراحل عبد الوارث عسر وهو يمارس ضرب وتعذيب الشاب القروي الفقير علواني (صلاح السعدني) في فيلم الأرض.
والحقيقة أن هذا المشهد يلح علي خاطري وذهني منذ بداية الحرب الغير مسبوقة علي غزة مادعاني لأصفها بأنها (حرب تخويف) أكثر منها حرب إبادة أو تطهير عرقي أو تصفية لحركة حماس.
وبنظرة سريعة لم تأتي المدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية والبريطانية وإنتشارها في البحرين (الأحمر والمتوسط) وحضور الرئيس الأمريكي بايدن بنفسه مجلس الحرب الإسرائيلي وغرفة العمليات العسكرية أكثر من مرة وهذا الدعم المخابراتي واللوجيستي والسياسي لدول التحالف الغربي (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) ذلك الدعم المطلق الغير محدود والغير مرتبط بالعمليات العسكرية علي الأرض (أيا كانت نتائجها) لم يكن هذا كله من أجل القضاء علي حركة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة.
تلك الفصائل التي طالما إنفردت إسرائيل في حروب سابقة بالتعامل معها سواء بعمليات عسكرية داخل القطاع أو بإغتيالات قياداتها العسكرية والسياسية بعمليات مخابراتية للموساد(إغتيال يحي عياش والشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ومحاولة إغتيال خالد مشعل) وغيرها من العمليات المخابراتية فضلا عن إعتقال عناصر المقاومة النشطة في جميع أنحاء الضفة الغربية ليبقي الصراع مع حماس والمقاومة شأن إسرائيلي محض متروك لإسرائيل أن تتعامل معه حسب رؤيتها الأمنية والسياسية وظل هذا الوضع لمدة عقود قبل السابع من أكتوبر 2023.
وبالحديث عن هجوم السابع من أكتوبر فأي محلل سياسي أو عسكري أو إستراتيجي يري أن هناك مبالغة في رد الفعل الإسرائيلي والأوروأمريكي علي ماقامت به فصائل المقاومة في هذا اليوم وأن الأمر يتعدي تأديب حماس وتدمير غزة أو حتي تدمير حماس وفصائل المقاومة عن أخرها.
ويجب الأخذ في الإعتبار مايحدث في الضفة الغربية (حتي من قبل السابع من أكتوبر) من إطلاق يد المستوطنين الإسرائيلين وإعطاءهم الضوء الأخضر في قتل الفلسطينيين وأيضا تصعيد الجيش الإسرائيلي لحملات إقتحامات المخيمات والإعتقالات مع وجود منشورات يلقيها المستوطنون وعبارات مكتوبة علي الحوائط في الشوارع (باللغة العربية) تطالب الفلسطينيين في الضفة بالنزوح إلي الأردن.
ونتوقف عند الضفة الغربية الموجود بها مقر السلطة الفلسطينية في رام الله تلك السلطة التي وصفها نتينياهو وبايدن معا أنها فقدت صلاحيتها ولم تعد قادرة علي إدارة الأمور في الضفة الغربية أو غزة (رغم أن السلطة عرضت خدماتها لإدارة غزة بعد الحرب في وقت سابق) وهنا تتلاقي السياسة مع الحرب فالمعروف أن الحرب هي إحدي أدوات السياسة.
هذا الحديث السياسي عن غزة مابعد حماس وعن السلطة الفلسطينية هي رسائل سياسية وبالونات إختبار موجهة إلي دول الجوار مفادها تصفية القضية الفلسطينية من جذورها فلا سلطةفي الضفة الغربية ولا مقاومة في قطاع غزة (و أيضا لا وجود للفلسطينين فيهما بالطبع) وأن الحديث عن حل الدولتين ماهو إلا مخدر سياسي تماما كالمخدر الذي يعطيه الجراح للمريض قبل إجراء عملية جراحية لإستئصال أحد أعضاءه ووقتها لا يجد المريض سبيلا إلا الإستسلام لتعاطي هذا المخدر وهو يري أدوات الجراحة أمام عينيه جاهزة لتقطيع أوصاله وبتر أعضاءه.
وأظن أن أدوات الجراحة الأوروأمريكية ذات الشفرات الحادة جدا تجبر المريض العربي (سواء كان جار قريب أو بعيد لفلسطين)علي أن يلوذ بالصمت ويستسلم للعملية الجراحية وعلي أفضل الأحوال فالمسموح له هو أن يتمتم بعبارات الشجب والإدانة والتنديد .
فما يجري وبإختصار شديد هو تسليم الأراضي المحتلة بحالتين لا ثالث لهما إما تسليمها كأرض بلا شعب وإما تسليمها كشعب بلا أرض أو الإثنين معا وربما إضطر الجراح الأوروأمريكي لهذه العملية الجراحية بعدما أصبحت القضية الفلسطينية (عضو مريض) يجب استئصاله لإراحة الجسد العربي الإسرائيلي الذي بدأ يتوحد علي طريق التطبيع بعدما أصبحت القضية عقبة سياسية وأمنية ليس علي إسرائيل وحدها بل علي بعض الدول العربية أيضا .