منوعات
أهلا رمضان”

فانوس كبير محلي الصنع متعدد الأدوار علقته علي واجهة منزلي إيذانا بقدوم شهر رمضان المعظم … ربما هو الحنين لأيام الطفولة وشوق للأيام الخوالي المفعمة بذكريات الشهر الكريم المحفورة في ثنايا القلب والروح وتشهد عليها كل زاوية في قريتنا العتيقة التي ترعرعت فيها مع عائلتي … هي قرية “المريج” التي تتبع مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية…
قمت بشراء هذا الفانوس بناءا علي رغبة ابناءئي ورغبة شخصية دفينة تراودني منذ وقت طويل لاقتناء هذا العمل الفني الذي يبدعه الفنانون المصريون البسطاء بأناملهم الذكية التي تمتلك التاريخ والأصالة وتقاوم الاندثار مقارنة بالفانوس الصيني عديم الاحساس مهما غني ورقص وانشد فلا يطرب سوي الصغار.
ربما هو الحنين والاشتياق لكل ماهو عتيق وأصيل وبخاصة خلال الشهر الفضيل من ممارسات روحية ومادية ارتبطت به وبنا.
علي أرض هذه القرية الطيبة التي تشبه مثيلاتها من قرية مصر في أصالتها ومحبتها .. علي أرضها ارتويت بكل ملامح شهر رمضان المبهجة بداية من ممارسة الصيام قبل دخول المرحلة الابتدائية ومنافسة الاقران علي تحمل الجوع والعطش في ظل اهالينا الطيبين الذين اهدونا عناقيد المحبة والطيبة والتراحم والأخوة الإنسانية .. فاطباق الطعام المميزة كانت تهدي للجيران منهم الينا ومنا إليهم كما كانت تجد في الشوارع والحارات العتيقة الطيبة صواني الطعام أمام المنزل ربما صادفت عابر سبيل … عناوين كثيرة للتكافل الاجتماعي تجدها ببساطة في الريف لا تفرق بين ميسور ومستور .. كان السواد الأعظم يعشق هذه الحالة الفريدة التي ينتشر عبيرها في الشهر الكريم.
كنا نستقبل رمضان حتي قبل أن يحل رمضان .. و نشتري الفوانيس العتيقة المصرية الأصيلة ذات الأشكال الهندسية أو تلك التي كانت تسمي البطيخة نسبة لشكلها وكلها كانت تحضئ بالشمع للتميز بين أحد حتي تطور الأمر لتضيء بلمبة تعمل بالبطاريات الجافة والتي اعتبرت إنجازا و تطورا كبيرا… وكما كنا نستعد لمدفع الافطار الذي كان يطربنا سماعه عبر الإذاعة المصرية ثم التليفزيون كنا ننتظر المسحراتي بكل محبة لنتجول معه بالفوانيس التي تضئ بالشمعة ثم نعود للسحور وبعدها نذهب لصلاة الفجر في المسجد … تأمينا علي نداء المؤذن وتحذيره بأن الصلاة خير من النوم فنصلي الجماعة ثم نلتقي بالرفاق لنلعب أو نحكي ونتسامر.
كانت تقول امي دائما أن شهر “رمضان بييجي بخيره” و هو ماكان يحدث دائما فكان رزقه وفيرا… أما ما كان يزيد سعادتي أكثر هو اجتماع الأسرة التي كانت تتكون من تسعة أفراد علي مائدة (طبلية) واحدة في انضباط كبير سعداء بهذا التجمع المميز كأسرة واحدة صامت معا و أفطرت معا باسم الله الرحمن الرحيم علي صوت اذان شيوخنا الاجلاء وعلي رأسهم الشيخ محمد رفعت…ثم أخرج مع أبي رحمه الله لصلاة التراويح لأصلي ماتيسر .. ثم اخرج مع رفاقي لنملأ الشوارع صخبا ونلعب.
استعدادات خاصة للشهر الكريم لطالما سبقت الشهر الكريم كنا نسعد بها أحسد نفسي ورفاقي عليها رغم بساطتها في بلدتنا البسيطة التي شهدت دخول الكهرباء بعد نحو خمسة أعوام من ميلادي مقارنة هذه الايام التي رغم اتساع القرية واستعدادها لدخول كل المرافق تقريبا فضلا عن معظم الخدمات التي كنا نسافر لقضاءها في المدينة لكن المدنية الحديثة اختصرت معظم المتعة لتصبح عبر الشاشات أو في أجهزة المحمول التي سرقت المتعة والخيال بكل ماتقدمه علي عكس تلك الأيام في عهد الطفولة حينما لم يكن هناك غير الراديو و إذاعة القرآن الكريم وصوت العرب والشرق الأوسط التي كانت تقدم عبر الاثير مادة إذاعية من مسلسلات حكايات يترجمها خيالنا لأبطال وبطلات من نسيج بنات أفكارنا .. قتلتهم شاشات التليفزيون والمحمول بل تعدي الأمر لتستعيد من رحل من ابطال المسلسلات التليفزيونية عبر حفلات الهولوجرام التي تجسد الراحلين صوت وصورة .. مسخ ربنا يعكس حياتنا الآلية التي وصلنا إليها بحيل لا تتوقف عن إفساد فطرتنا وكبح جماح خيالنا … لكنها ستقف عاجزة إذا ما قضينا الشهر الفضيل كما ينبغي بعبادة الله حق عبادته في شهر رمضان المعظم .. فلنجعله شهر التوبة والعبادة والعودة لله عز وجل .. ولنتمسك بالجذور والعودة للأصول .. للدين والأعراف والتقاليد … كل عام أنتم بخير … و أهلا رمضان …كل عام انتم بخير.
الإعلامي/ محمود العزالي
كبير مراسلي التليفزيون المصري