أقلام حرّة

أخلاق المثقفين

بقلم: يحي سلامة
كتبت الأخت والصديقة العزيزة الأديبة والشاعرة الكبيرة /شريفة السيد تتساءل (أخلاق المثقفين الي أين)
وكأنها كعادتها الدائمة معي تطالبني بالكتابة حول هذا الموضوع واثارته في صالون الشباب ولقاء الأجيال.
والحقيقة أني كنت افكر منذ يومين في الكتابة حول هذا الموضوع بالذات .
ويجب التوضيح أولا ان المثقف الحقيقي لا يتم تصنيفه كمثقف بحسب التعليم او الشهادات الحاصل عليها أو بعدد الكتب والعناوين التي قرأها في حياته وانما يقاس المثقف بأخلاقه وسلوكه وكلامه وحتي صمته الذي ينبئ ويلخص تجربته في التعليم والقراءة والبحث لتبقي الأخلاق في الأخير هي الواجهة المضيئة للمثقف الحقيقي والتي تنبئ عنه وتشي عن شخصيته وسريرته.(ملحوظة هامة: يجب التنبيه أن القصد بالأخلاق لا يتطرق الي الحياة الشخصية والحياة الخاصة للمثقف ايا كانت سلوكياته وتصرفاته وانما القصد هو الأخلاق والسلوك في الحياة العامة والتجمعات سواء في العالم الافتراضي علي وسائل التواصل الاجتماعي او علي أرض الواقع في المنتديات والتجمعات الأدبية والثقافية)
ولما كان عالم الكتابة والثقافة مثله مثل أي عالم اخر يدخله أصحاب المواهب والمثقفون ويدخله أيضا عديمو المواهب ومحدودو الثقافة والفكر رأينا وتابعنا هذا الانحدار الأخلاقي للأسف والذي تمثل في سلوكيات وأقوال لا تصدر عمن أطلقوا علي أنفسهم مثقفين أو اصحاب فكر فرأينا من اعتلي المنصة وأمسك بالمايك ليتحدث بلغة الحواري والأزقة واصفا قامات فنية وشعرية بأن احداهما موالدية بتاعت موالد والأخر ساذج وعبيط ورأينا من أوقف صفحته الشحصية وجعلها منبرا للسباب والشتائم والادعاءات الباطلة علي شخصية ادبية مرموقة شهد لها الجميع بالعلم والخلق الحسن في حين أن صاحب هذا التطاول لم يقدم دليلا علميا او فكريا واحدا يدين به هذه القامة والقيمة الأدبية والفكرية حتي تكون مبررا لهذا الهجوم الممنهج والمستمر
ورأينا من يكتب علي صفحته مطالبا بالغاء ندوة ومنع مناقشة احدي المجموعات القصصية بدعوي وجود قصة مسروقة بين قصص المجموعة وهذا الحديث الممل عن السرقات الأدبية الذي تمتلأ به الصفحات والتي لا تفرق بين الجديد والقديم فالمبدع سارق حتي تثبت براءته حتي لو كان هذا المبدع قد توفي من نصف قرن أو يزيد فعلي الورثة اثبات براءته من السرقة حتي يتثني لهم رفع رأسهم في الوسط الأدبي
وبالطبع يتخلل كل هذا قاموس من الشتائم والسباب والألفاظ البذيئة فضلا عن الخوض في أعراض نساء وبنات والتهديد بنشر محادثات ومكالمات وفضحهن الخ
لتري في الأخير أنك في صفحة من صفحات الهاكر أو مبتزي الانترنت الذين يبتزون النساء والبنات للحصول علي المال وليس في صفحة شاعر أو أديب أو ناقد أو مثقف حقيقي يحترم نفسه ويحترم قرائه فضلا عن احترام زملائه.
والتفسير الوحيد الذي اراه مناسبا لهذه الظاهرة هو فقر الموهبة وضحالة الفكر التي يتم الاستعاضة عنها بالهجوم علي الناجحين والتقليل من نجاحاتهم وانجازاتهم وبالتالي لفت الانظار الي الشخص المهاجم حتي يحقق الشهرة والانتشار كما يمني نفسه بها
فالمبدع والمثقف الحقيقي مشغول طوال الوقت بمشروعه الابداعي والفكري فهو بين ثلاثة أحوال لا رابع لهم اما انه يقرأ كتابا أو مرجعا واما أنه يكتب (قصيدة او قصة أو رؤية نقدية وفكرية) واما أنه يفكر فيما سيقرأه أو سيكتبه وبالتالي فهو دائما في حالة ثقافة بل انه يتنفس الفكر والمعرفة كما يتنفس الهواء والثقافة بالنسبة له أصبحت كالماء والهواء والطعام أيضا وهذا هو المثقف الحقيقي الذي لا تخطئه العين .
فهو الهادئ والرزين وصاحب الخلق الحسن والمتواضع دائما وصاحب الابتسامة والوجه البشوش والذي يتحدث ولا تمل من حديثه بل تتمني أن يتحدث لساعات وساعات والذي يدهشك بسعة اطلاعه وكم معلوماته دون ان يفاخر بها او يستعرض ثقافته علي الأخرين فعندما يذكر اسما ما او كتابا ما انما يذكره علي سبيل الاستدلال وفي مكانه وليس علي سبيل التفاخر والانتقاص من الأخرين ويرحب بالاختلاف وتعدد الرؤي ولا يصادر رأيا حتي وان جاء هذا الرأي مخالفا له.
هذا هو المثقف الحقيقي والمثقفة الحقيقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق