أقلام حرّة

نساء في متن الحديث وسنده  أم الحسن البصري ” خيرة ” ٠٠تلميذة أم المؤمنين [ ٢ ]

 

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

بقلم :

أبوبكر عبدالسميع

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

 

شمس الحديث النبوي الشريف ، مشرقة فى السماء الصافية بتنفس الجو الصفو ، ورواة الأحاديث من السيدات كواكب نيرة ، من بين هؤلاء كانت نسوة ثقات راويات للحديث ، تميزن بالوجود في صفوة المجتمع وعلو النخبة العلمية خاصة العلم الديني ورواية الحديث النبوي الشريف فكن البهاء في كتب الصحاح ، وكن المخلصات في الصدق وكن الصادقات في الثقة وكن الموثوقات لدي الثقاة ٠

وتعد _خيرة _ التابعية التي تخرجت فى مدرسة ام المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنهما ، وكانت أكثر لصوقا بالسيدة أم سلمة وأقرب اتصالا شبه يومي بها وتلك الفرصة القدرية قد أعطت خيرة أم الحسن البصري الحظ الحسن لخيرة _ أم الحسن _ فحصلت علي ميزة اصطفاء لرواية الحديث النبو ي ، فمن مدرسة أم سلمة كانت خيرة التلميذة الأولى ، فام سلمة رضي الله عنها واسمها ٠٠ هند بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم و هي بنت عم خالد بن الوليد وبنت عم عمرو بن هشام _ أبوجهل _ وأمها عاتكة بنت عامر ولدت بتهامة بمكة وكانت من قبل زوج عبد الله بن عبد الأسد ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة أحد. ، وعن قصة زواجها من النبى صلى الله عليه وسلم ، فقد ورد فى كتب السيرة النبوية ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها الصحابي الجليل حاطب بن أبى بلتعة كي يخطبها وحول هذا الموقف تقول أم سلمة : ” قلت له _ أي لحاطب _ إني كبيرة السن وأنا غيور _ أي تغار من كواعب واتراب النساء _ وإني ذات عيال فرد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( أنا أكبر منك سنا ، وأما الغيرة فيذهبها الله ، وأما العيال فإلي الله ورسوله ) وتوفيت سنة ٦٤ هجرية علي أصح تمحيص الروايات التي تحدثت بالسجل المدني عنها ٠

وقد روت أم سلمة ٣٨٦ حديثا نبوياعن سيدنا محمدرسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا الكم والكيف استثمرته خيرة أم الحسن البصري لظروف علاقتها اللصيقة الوثيقة بأم سلمة ، فحفظت خيرة وهي تعي ، وقرأت وهي تعرف ، وعلمت وهى تطلب الزيادة العلمية فكانت العلم والراية ضمن دولة ا لحديث ، ثم علمت أجيالا صاروا رواة للحديث النبوي رواة ثقاة ، ولو استعرضنا أسماء من قرأوا أو حفظوا اونقلوا عن خيرة ،سنجد أسماء أقطاب رواة الأحاديث النبوية بفضل تتلمذ هم علي يد_ خيرة _ من بين هؤلاء نجد ولديها الإمام الحسن البصري وشقيقه سعيد ، كما تعلم منها أبو الحسن القرشي التيمي ذلك الحافظ الذي قال عنه _ الذهبي _ في كتابه تاريخ الإسلام : ” أحد اوعية العلم في زمانه ” والإمام الليث بن سعد ومنهم أبو إياس معاوية بن قرة والد القاضي إياس وعلي بن زيد بن جدعان ومحمد بن سيرين صاحب كتاب _ تفسير الأحلام _ وأخته حفصة بنت سيرين أم الهذيل الأنصارية وغيرهم ممن تحتفظ بهم كتب الحديث وتترجم لهم كتب التاريخ وتعيها إذن الذكر ي ، وفوقها كل حركة التاريخ الراصدة ٠

٠٠. وعن نتف من نسب _ خيرة _ فهي كما قال عنها إبنها الإمام الحسن البصري : كان أبي وأمي لرجل من بني النجار فتزوج امرأة من بني سلمة فساق أبي وأمي في مهرها فأعتقتنا ” وتزوجت خيرة من الحسن والد الحسن بصري وذلك فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه فحلت بركة عمر بن الخطاب على الحسن البصري فكان الحسن ابن خيرة عالما ليس له مثيل يذكر المؤرخون ٠٠ أنه لما رزقت _ خيرة _ وزوجها الحسن بن يسار البصري بالولد الأول وكانا بالمدينة فذهبا إلى ابن الخطاب وشاهد عمر بن الخطاب جمال الطفل فسماه علي الفور ب _ الحسن _ فكان الحسن البصري العالم المكني بأبي سعيد ودعا له عمر بن الخطاب بأن يكون عالما ، وتأثر الحسن البصري ابن خيرة بنموذج عمر بن الخطاب قلبا وقالبا فقد قال الحافظ العالم الكبير حميد بن هلال عن الحسن البصري : ” الزموا هذا الشيخ فما رأيت أحدا أشبه رأيا بعمر منه ” وكانت الراوية _ خيرة _ تحرص علي جعل ابنها الحسن لصيقا بالصحابة ويروي الحسن : ” رأيت عثمان بن عفان نائما فى المسجد حتي جاء المؤذن فقام فرأيت أثر الحصى على جبينه ٠٠٠ كما روي خرج علينا عثمان فكان بينهم تخليط فتراموا بالحصيان ، و أدرك الحسن البصري زمن عثمان بن عفان ، وكان الحسن يصب الماء من الابريق كي يتوضأ عثمان بن عفان ولقد بلغت قوة العشرة بين أم المؤمنين أم سلمة وبين خيرة درجة قوية من الاتصال اليومي بلغ إلى الحد الذي جعل خيرة ترجئ ابنها الطفل الحسن فى بيت أم سلمة وتذهب خيرة لتشتري طلبات وحاجات أم سلمة وكان الحسن يبيت عند أم سلمة فقد رووا أن الحسن البصري وهو طفل تتركه أمه في كنف أم سلمة وعندما كان يبكي ويشتد صراخه ببكائه فتأخذه أم سلمة وتجلسه فى حجرها وتلقمه ثديها لتشغله عن البكاء حتي ترجع أمه خيرة وقيل كانت أم سلمة تدعو للحسن وهي ترضعه قائلة : ” اللهم فقهه في الدين وحببه إلي الناس ” وقد استجاب الله دعاءها فكان الحسن البصري عالما أحبه عصره ولا تزال العصور التوابع تحمل له قدرا من الحب الكبير ، وقد ذكر الحسن البصري ذلك فقال : ” كنت ادخل بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان ” وفي إحدي المرات سمعت السيدة عائشة بنت أبى بكر الصديق زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن البصري وهو يتحدث فقالت : ” من هذا الذي يتكلم بكلام الصديقين ؟ ” وكان الحسن البصري يقول : ( من كذب بالقدر ، فقد كذب بالحق . إن الله تبارك وتعالى قدر خلقا وقدر آجلا وقدر بلاء وقدر مصيبة وقدر معافاة ؛ فمن كذب بالقدر فقد كذب بالقرآن. )

فعلاقة خيرة بنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة عائشة وأم سلمة كان له النصيب الأوفي والحظ الوافر مما أفاد علم الحديث والرواة الثقاة فكانت أم سلمة تلقن خيرة بما ترويه من أثر كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و وظفت خيرة أم الحسن البصري قربها من أم سلمة وشهدت مواقف بالشاهد والمشهود مثل المواقف الاختلافية في فقه المرأة ، تلك الحالات التي يستنطقها القول بدائرة الفعل بلسان السبب والمسبب والعلة والمعلول والتقدمة والنتيجة ، والوسيلة والغاية والفعل ورد الفعل ، من ذلك اختلف الصحابي الجليل ابوهريرة مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عدة المتوفى عنها زوجها إذا وضعت حملها فأبوه هريرة قال : تتزوج ، بينما ابن عباس قال : تعتد بأبعد الأجلين فأرسلوا إلي أم سلمة فقضت برأي أبى هريرة ، كذلك حينما اختلفوا فى غسل شعر المرأة المتطهرة من الجنابة فروت لهم أم سلمة عن ذلك رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سألته ٠٠ ( يارسول الله إنى امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال صلي الله عليه وسلم : لا ( ، إنما يكفيك ثلاث حثيات ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين ) وقد عنعنت خيرة عن أم سلمة ولم تصرح بالسماع منها مباشرة ، وعن خيرة روي ثلة من كبار الرواة الأحاديث النبوية وطارت شهرتهم في أفاق دولة الحفاظ

و تشهد ترجمة حياة _ خيرة _ أنها أم صالحة ربت ابنها الحسن وشقيقه سعيد تربية بنهج تربوي متين لدرجة اهتمامها بلبس ولديها وكان الحسن البصري يعتد بمنهج أمه التربوي حتي في الزي فيلبس في الشتاء قباء حبرة وطيلسانا كرديا وعمامة سوداء ، وصيفا يرتدي قميصا وبردا حبرة وازار كتان و بناء علي تلك التربية الاخلاقية للحسن البصري وشقيقه العالم سعيد جعلت الواصفين يشيدون بها وهم يشيرون إلي درجات كبيرة في تكوينة الجمال والكمال الإنساني ، وجعلوا سببه تربية _ خيرة _ نختار من ذلك شهادة حق فى الحسن البصري ، فقد قال خالد بن صفوان الخطيب الشاعر الفصيح : ” الحسن البصري أشبه الناس سريرة بعلانية وأشبه قولا بفعله ، إن قعد على أمر قام به وإن قام على أمر قعد عليه وإن قام بأمر كان أعمل الناس به وإن نهي عن شيئ كان أترك الناس له ، رأيته مستغنيا عن الناس ، ورأيت الناس محتاجين إليه ”

وخالد بن صفوان شعرا كثيرا من ذلك قوله:

نداري زمانا قد ألح بصرفه

ومن لا يداري عيشه لا يعقل

٠٠ أما سعيد بن يسار شقيق الحسن البصري ، فقد لقبوه ب _ الراهب _ لشدة تدينه ٠٠ كان من رواة وحفاظ الحديث فقد روي عن امه خيرة _ وأبى هريرة وعبد الله بن عباس من ذلك مثلا : عن سعيد بن يسار قال : ( كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال : إنى إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع التصاوير ، فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ من صور صورة ،فإن الله عز وجل يعذبه يوم القيامة ،ثم ينفخ فيها ، وليس بنافخ فيها أبدأ ] فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه ثم قال ابن عباس : ويحك إن أبيت إلا أن تصنع ،فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح ) وأيضا ٠٠ ( حدثنا شعبة قال : سمعت خالد يحدث عن سعيد بن أبى الحسن عن أمه _ خيرة _ عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار بن ياسر [ تقتلك الفئة الباغية ] ٠٠) وكان سعيد يكثر من دعائه قوله : ” اللهم اجعل لنا في الموت راحة وروحا ومعافاة ” ولقد توفى قبل أخيه الحسن البصري بعام فحزن عليه الحسن البصري وأكثر من البكاء فقالوا له : ” إنك إمام يقتدي بك ، فلو تركت بعض ما أنت عليه ، فقال الحسن البصري : دعوني ٠٠فما رأيت الله تعالي عاب على يعقوب في طول الحزن على يوسف ، فما زاده إلا حزنا وبكاء ” ، ولقد روي عنه كثيرون مثل ابن اخته معاوية أبى مزرد وابن حجر والنسائي

عاشت خير ة الراوية بقدر ماق در الله وقضي لها العيش بأن تعمر قيل : ٨٦عاما وتأثرت بموت أم المؤمنين أم سلمة وفراقها ٠

وكانت أم سلمة أم المؤمنين قد ماتت حزنا علي استشهاد الامام _ الحسين بن علي _ عليهما السلام فقد استشهد الحسين في كربلاء بالعراق فوقعت أم سلمة تحت تأثير الدهشة وضغط الصدمة ، فضربها وجع الحزن فأغشي عليها عندما جاءها الخبر ، ثم أفاقت ثم ماتت بعدها بأيام لا تزيد علي عدد أصابع اليد الواحدة وكانت آخر أمهات المؤمنين رحيلا عن الدنيا ٠

ووصف المؤرخون _ خيرة _ بأنها ٠٠جيدة الفهم كثيرة الحفظ والضبط فقد عدها وذكرها _ ابن حيان _ قائلا : من الثقات فقد كانت تجلس إلي النساء وتوعظهن ٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق