أخبار

نساء راويات للحديث النبوي الشريف

٣ _ بنت خامس الخلفاء الراشدين ٠٠ تقشف فى الحياة وغنى في العلم ثقة في الرواية

 

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

بقلم/ أبوبكر عبدالسميع

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

لم تك حياتها دعة بالترف أو بأريحية السرف أو تنعم بالرفاهة المتطرفة باقتناص ملذات الحياة ، ولا السكن في القصر المشيد ، أو بهرج ملابس السندس والحرير والاستبرق والديباج ،فلا هي طلبت الذهب والفضة فحلي جيدها ويديها تزين، بل هي كانت متقشفة وهكذا تمنهجت حياتها ؛ رغم أنها لو أرادت كل هذا لحصلت عليه ، ولو أشارت باليد أو أومأت بالعين لكان ذلك أمامها وتحت قدميها ،ولكنها بنت أبيها _ الخليفة الزاهد _ الذي علي دربه سارت ، وعلي منهجه صارت ، ومن أجل ذلك كانت من أهم راوية للحديث النبوي من الرواة الثقاة ،وكيف لا تكون كذلك وأبوها أول من

نادي بتدوين الأحاديث النبوية ، نعم صحيح وثابت أن جدها سبق أباها في عملية تدوين الحديث بمصر عندما كان واليا عليها ،لكنها كانت ارهاصة و_ كفى _ ٠

نتحدث بتلك السطور ونقصد _ آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز بن مروان _ فأبوها رضي الله عنه عمر بن عبد العزيز ٦١/ ١٠١ هجرية_ ، أبوها غصن في دوحة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فابن الخطاب جد عمر بن عبدالعزيز لأمه ٠

تربت آمنة تربية نموذجية قامت علي مبادئ إسلامية وعلي جناح العلم طارت ، وعند محطات بيتهم كان العلماء ينزلون ويدخلون ويجلسون جل حديثهم في العلم : اللغة ، الفقه ، السياسة والإدارة ، ولكن زينة محطتهم _ العمرية _ الحديث النبوي ، فنهلت _ آمنة _ أو أمينة كما قيل في رواية أخرى ،وإن اختلف الإسم تبقى القيمة في المسمي وتصنع القامة من جوهر الأشياء فقد تلقت _ آمنة علما غزيرا وحصلت معرفة متعاظمة ليس بتخمة حفظ ، بل بتوزيع غذاء العقل نعمه بر وح العدل العلمي بالتساوي فكان الحسن المنصف لها اصطفاء فرع _الحديث النبوي الشريف_ قواصد إختيار معرفى

ديني روحي ؛ والغاية خدمة الدين الإسلامى حرصا على حفظ المحفوظ بحفظ الله ٠

في بيت عمر بن عبدالعزيز نشأت _ آمنة _ وبين اخوتها الحكم وعبد الملك وعبد العزيز وإبراهيم وإسحاق والوليد وعاصم ويزيد وشقيقتيها

فبيت عمر بن عبدالعزيز خلية نحل تنتج علما عسلا متميزا فلقد رأت آمنة وسمعت زوار بيتهم مثل : أبو سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن المنكدر وسلمة بن عبد الملك وابوبكر بن حزم ورجاء بن حيوة وغيرهم اساطين الفقه والحديث ٠

وسمعت مشورة أبيها عمر بن عبدالعزيز بأهمية تدوين الحديث النبوي وخوفه علي اندثار حديث النبى صلى الله عليه وسلم وسط زحمة الزمن المعاش وتسارع رتم العصر بالأحداث الكبري الشواغل

فقد ثبت أن عمر بن عبدالعزيز هو أول من نادي بتدوين الحديث وهناك رواية تقول : إن والده عبد العزيز بن مروان ٢٧ / ٨٦ هجرية قد بدأ أولي خطوات المشوار التدويني الرسمى عندما كان واليا على مصر عام ٦٧ هجرية بعد تربعه علي عرش مصر جلس عليه مدة عشرين عاما بعد إزاحة الوالي السابق _ عبد الرحمن بن جحدم المعين من قبل _ عبد الله بن

الزبير _ المنافس للأمويين علي الخلافة وبعد حرب في منطقة _عين شمس_ بالقاهرة خاصة مشاهد عنف المعركة في _ المطرية _ ثم تسلم عبدالعزيز حكم مصر وقام بأعمال انشائية تعميرية كبرى مثل مقياس النيل وإنشاء مدينة حلوان واتخذها دار سكني ودار إدارة امور القاهرة ،وأيضا فكرفي _ تدوين الحديث _ وعرض الفكرة على علماءعصره وافقوا لكنه لم يكملها ‘ وكان عبدالعزيز راوية للحديث النبوي روي عن أنس بن مالك وعامر بن سعد بن أبى الوقاص ويوسف بن عبدالله وسعيدبن المسيب وغيرهم، ومهما يكن فإن عمر بن عبدالعزيز هو الرائد التدويني بلا شك في هذا الأمر وبلا ريب فيه وذلك كما يؤكد ابن حجر العسقلاني بشهادته قوله : ” وأول من دون الحديث ابن شهاب الزهري بأمر عمر بن عبدالعزيز ”

لذا نجد شهاب الزهري قد صرح بأنه ٠٠ ” أمرنا عمر بن عبدالعزيز بجمع السنن فجمعناها دفترا دفترا ٠٠٠ فبعث إلي كل أر ض له عليها سلطان دفترا ” ولم يكتف بذلك بل بعث حفاظ الحديث وراوته إلى الأقاليم وكان من حظ مصر أنه بعث _ نافع _ مولي عمر بن الخطاب إلي مصر وكان عالما بالسنن

فعلم علماء مصر الحديث النبوي وعندما كان عمر بن عبدالعزيز واليا علي المدينة في عهد الوليد بن عبد الملك كتب إلي الإمام أبي بكر بن حزم الأنصاري الخزرجي ٣٦ / ١٢٠ هجرية ( انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم ، وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولتفشوا العلم ،ولتجلسوا حتي يعلم مالم يعلم ؛ فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًا ) وكان إختيار عمر بن عبدالعزيز لأبي بكر بن حزم للقيام بتلك المهمة التي تنفذ لأول مرة في تاريخ الإسلام ،فكرة غير مسبوقة وعملا نحن_ اليوم _ نعيش تحت كنفه كما سيستفيد منه المسلمون وحتى يوم القيامة ،وحسب ابن حزم قول الإمام مالك بن أنس شهادة فيه له : ” ما رأيت مثل ابن حزم ، أعظم مروءة وأتم حالا ، ولا رأيت من أوتي مثل ما أوتي ولاية المدينة والقضاء والموسم ” ٠

وترامت إلي سمع ابنته آمنة قول أبيها ( إن للإسلام حدود ا وشرائع وسننا ، فمن عمل بها فقد استكمل الإيمان ، فلأن أعيش أعلمكموها وأحملكم عليها ، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص )

ولقد وصل إلي آمنة نسخة من دفتر فيه أحاديث نبوية فأكبت على قراءتها وما استغلق عليها فهما كانت ترجع إلي أبيها فتعرف وما غمض عن استيعابها تستعين بأحد اخوتها فتعلم أو تذهب إلى عمتها _ أم البنين _ زوج الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان فقد كانت تسكن بدمشق بيتها يسمي دار أم البنين بقرب طاحونة الثقفيين وكان لام البنين بيت آخر خارج باب الفراديس وتعد أم البنين من رواة الأحاديث النبوية لذا كان منزليها عامرين بالحفاظ والعلماء، فزاد ذلك حظا في علم_ آمنة _ بالحديث النبوي ٠

أمور كثيرة هي إذن التي جعلت آمنة تتعلق برواية الحديث النبوي منها البيئة التي نشأت فيها وأهم محور فيها هو تربية عمر بن عبدالعزيز لأولاده تربية متقشفة ليست من فقر وقلة مال ، بل الزهد الغنى الذي يغنى عن تشبث بالركض فى متاع الدنيا القليل ، يروي _ قربا بن دنيق _ 🙁 مرت ابنة لعمر بن عبدالعزيز يقال لها أمينة أو آمنة فدعاها عمر ” يا امين يا امين ” فلم تجبه فأمر إنسانا فجاء بها فقال لها : ما منعك أن تجيبيني ؟ قالت : إني عارية فقال عمر ” يا مزاحم انظر تلك الفرش التي فتقناها

فاقطع لها منها قميصا ، فذهب إنسان إلي أم البنين عمتها فقال :بنت أخيك عارية وأنت عندك ما عندك ، فأرسلت تبحث عن ثياب وقالت لآمنة : لا تطلبي من عمر شيئا ) ولابد من توضيح مناداة عمر بن بن عبدالعزيز على _ آمنة _ بقوله يا _ امين _ فتلك محبة وحنو بدلال وهذا معروف عند علماء النحو ويسمى ب_ الترخيم _ بحذف آخر الاسم المنادي عند النداء وكما يقول العالم النحوي _ ابن مالك _ في كتابه _ ألفية ابن مالك _ :

ورققن آخر المنادي

كيسع فيمن دعا سعادا

وكانت أم البنين عمة _ آمنة _ سخية تنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالا ،إذ كانت تكسو نسوة كثيرات بالثياب وتساعدهن بالمال وكانت تقول للنسوة الطالبات منها حاجة : ” الكسوة لكن والدنانير اقسمها على فقرائكن ” ومما سجلته كتب التاريخ أثرا عنها قولها : ” أف للبخل ، لو كان قميصا مالبسته ، ولو كان طريقا ماسلكته ” وتلقت آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز الحديث أيضا عن عمتها أم البنين فقد روي عنها إبراهيم بن أبى عقيلة

٠٠ لم تضجر _ آمنة _ أو تأخذها فورة الغضب

وثورة تسرع غضب النفس من مسلك أبيها المتقشف ، بل رضيت آمنة بذلك عن طيب خاطر واقتناع كبيرين لأنها تعلم مسلك أبيها وخوفه من الله وحذره من سرف المال فى غير وجهه ، وتعلم آمنة موقف أبيها بعد تسلمه الخلافة يروي يحيي وابن أبي زكريا : ” كنا بباب عمر بن عبدالعزيز فسمعنا بكاء فقيل لنا: خير أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز امرأته بين أن تقيم في منزلها وعلي حالها وأعلمها أنه قد شغل بما فى عنقه عن النساء وبين أن تلحق بمنزل أبيها ، فبكت ، فبكت جواريها ) وكذلك عرفت آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز أن أباها كان صارما مع اقاربه الأمويين كان صادا لهم عن استغلال وظيفته كأمير للمؤمنين ، كان صارفا لهم عن المحاباة ، كان صادفا لهم عن حصولهم على المال من بيت المال قال الليث بن سعد : ” بدأ عمر بن عبدالعزيز بأهل بيته فأخذ مابأيديهم ، ففزع بنو أمية إلي عمته فاطمة بنت مروان كي تراجعه فى قراره عله يعود بهم إلي سيرتهم الأولى مثلما كان حالهم مع خلفاء امويبن من قبله فقال لها : ( ياعمة ان الله بعث محمدا صلي الله عليه وسلم رحمة ولم يبعثه عذابا واختار له ماعنده فترك لهم

نهرا شربهم سواء ثم قام أبوبكر فترك النهر على حاله ثم قام عمر فعمل عمل صاحبه ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان حتى أفضي الأمر إلى وقد يبس النهر الأعظم ولن يروي أهله حتي يعود إلي ما كان عليه ) فقالت له عمته : حسبك فلست بذاكرة لك شيئا ورجعت فأبلغتهم بكلامه ”

تعلمت آمنة الكثير من ورع أبيها عمر ، وتذكر آمنة حرص أبيها على اخوتها خاصة البنات فقد روت _ حميدة _ حاضنة ولد عمر بن عبدالعزيز ” كان ينهي بناته أن ينمن مستلقيات وقال : لايزال الشيطان مطلعا على احداكن اذا كنت مستلقية يطمع فيها ”

برعت آمنة في رواية الحديث النبوي فأخذت من شيوخ الحفاظ وأخذ ر واية عنها من ذلك مثلا ٠٠ ( عن عبد الحميد بن يزيد الخنشي عن آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز عن ميمونة أنها قالت : يارسول الله أفتنا فى الصدقة قال صلي الله عليه وسلم : [ إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي بها وجه الله، قالت : أفتنا فى ثمن الكلب قال : [ طعمة جاهلية وقد أغني الله عنهما ] قالت أفتنا عن عذاب

القبر : [ أثر البول ، فمن أصابه بول فليغسله ،فمن لم يجد ماء مسحه بتراب طيب ] ٠٠ )

تزوجت آمنة ب _ سفيان بن عاصم _ ربطهما حب جميل ، فحافظ الحب علي تماسك علاقتهما بحب يزداد وهو أرحب تأثيرا قال حسن بن زيد عن شيخ من ساكني العقيق ٠٠٠٠٠٠ ( وقد جاء الحاج إذ طلعت امرأة على رجال حولها صفف ٠ أي _ما يضم خشبي الرجل يتكأ عليها كالمنبر _ ،فنظرنا إليها فأعجبنا حالها ، فلما أن كانت حذو قصور سفيان بن عاصم بن عبدالعزيز بن مروان عدلت إليها ونحن ننظر فاضطجعت فى موضع ساعة ثم قامت فدخلت قصرا من تلك القصور فأقامت فيه ساعة ثم خرجت فركبت ومضت قلنا : لننظرن إلى ما صنعت هذه المرأة ،فجئنا مضجعها الذي اضطجعت فيه، ثم دخلنا القصر الذي دخلته ،فإذا بكتاب يواجهنا فى الجدار فإذا هو :

كفى حزنا بالهائم الصب أن يري

منازل من يهوى معطلة قفرا

بلي إن ذا الشوق الموكل بالهوي

يزيد اشتياقا كلما حاول الصبرا

مقيما بها إلى الليل لايري

اوانس قد كانت يكون بها عصرا

وتحته مكتوب ٠٠وكتبت آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز

٠٠ تلك لمحة إلي حياة آمنة بنت عمر بن عبدالعزيز بن مروان الراوية الثقة كما وصفها واحد من علماء عصرها وشهود سيرتها ،وحسبها أنها بنت عمر بن عبدالعزيز الذي قالوا عنه : ( جاء إلي أمر مظلم فأناره ،وإلى سنن قد اميتت فأحياها ) وقال عنه أحمد بن حنبل : ( لا أدري قول أحد التابعين حجة إلا قول عمر بن عبدالعزيز )

تحت كنف هذا البيت و ظلاله ولدت _ آمنة وتربت وتعلمت فكانت ثقة الرواية حفلت ببعض رواياتها كتب الصحاح فى الحديث النبوي الشريف ٠

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق