أقلام حرّة
ما لايعرفه الشباب عن عملاق الأدب٠٠ “عباس محمود العقاد” …كيف تكون مفكرا ومثقفا؟!

بقلم:أحمد مدكور
الحمد لله رب العالمين على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة٠٠ أحببت أن أهدى أبناءي وأحفادي نبذة بسيطة عن الفكر والثقافة ٠٠وابتدؤها بالكتابة عن العملاق الذي عاش للفكر والثقافة ٠٠وعن نشأته ومولده فقد ولد في عام العظماء٠٠واسميهم عظماء الفكر والثقافة والأدب العربي٠٠توفيق الحكيم وقاهر الظلام الدكتور طه حسين في عام ١٨٨٩م قبل صدور أول مجلة ثقافية في مصر والعالم العربي على يد”جرجي زيدان” بثلاثة أعوام٠٠ولد”العقاد” في الثامن والعشرين من يونيو١٨٨٩م “١٨٨٩/٦/٢٨م بمدينة أسوان ٠٠وكان والده يعمل أمينا للمحفوظات بأسوان٠٠وقد تزوج بثلاث سيدات وأنجب أحد عشر ولدا٠٠وكان ترتيب” العقاد” الثالث بين إخوته٠٠وكان والده شديدا في تربيته لأبنائه منذ طفولتهم٠٠وقد كان لهذه التنشئة دورها في ذلك الوقارالمبكر والهيبة اللذان لازماه طوال حياته٠٠واختلافه عن زملائه٠٠وفي الانطوائية والخجل اللذان كانا من سمات”العقاد” ٠٠واللذان عوضهما فيما بعد باعتزازه الشديد بنفسه٠
درس نتعلمه٠٠ونهديه لأبنائنا وأحفادنا
لم يدخل “العقاد” الجامعة مثل أقرانه”توفيق الحكيم وطه حسين” ٠٠ولم ينل إلا شهادة الأبتدائية وبعدها علم نفسه بنفسه وتثقف٠٠وكتب أعظم كتب تربينا عليها وتم تدريسها في المرحلة الثانوية”العبقريات” ٠٠ومنها”عبقرية المسيح وعبقرية محمد وعبقرية الصديق وعبقرية عمر وعبقرية خالد٠٠إلخ”
ويحضرني٠٠ويحزنني في ذات الوقت أن أول خمس آيات نزلت على قلب سيدي وحبيبي سيد الأولين والآخرين حبيب رب العالمين وخاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ٠٠فأمة”اقرأ”لا تقرأ٠٠والصهاينة خبرونا وفهمونا فقالوا:”المسلمون لايقرأون٠٠وإذا قرأوا لا يفهمون٠٠وإذا فهموا لا يعملون” ٠٠وقالوا أيضا:”نحن لانقلق من العرب والمسلمين إلا إذا رأيناهم في صلاة الفجر مثل صلاة الجمعة”
وحسبنا الله ونعم الوكيل ٠٠افيقوا وانتبهوا أحبتي في الله ٠
نعود للعملاق الذي دخل السجن بتهمة العيب في الذات الملكية حين كان عضوا بالبرلمان٠٠وعبر عن رأيه بشجاعة نادرة في عهد الملك”أحمد فؤادالأول والد الملك فاروق الأول”
نرجع إلى جده واجتهاده في القراءة والمعرفة٠٠المهم انكب على كتب الأدب يقرأها٠٠وكون ثقافته بنفسه وحدد مواقفه الفكرية والسياسية بجرأة٠٠وكان مثالا يحتذى به٠
التحق”العقاد” بوظائف حكومية كثيرة٠٠ولكنه استقال من وظيفته بمحض اختياره٠٠فكان أول مصري يستقيل من الوظيفة الميري محطما مقولة:”إن فاتك الميري٠٠اتمرغ في ترابه” ٠
نرجع إلى سيرته ومسيرته٠٠ففي عام ١٩٠٥م وهو في السادسة عشرة من عمره حضر إلى القاهرة٠٠وبدأ في مقابلة الأعلام٠٠فالتقي في ذلك الحين بالعمالقة”يعقوب صروف وجرجي زيدان ومحمد فريد الزعيم الوطني” ٠٠وبدأت مقالاته تظهر على صفحات جريدة” اللواء”وكذلك قصائده٠
تخيلوا أن”العقاد” قرأ في حياته ما يقرب من ستين ألف كتاب”٦٠٠٠٠كتاب”وكتب ما يقرب من٥٩٠٠ “خمسةآلاف وتسعمائةمقال” ٠٠هذا فضلا عن تأليف العديد من الكتب في الإسلاميات وفي الشعر وفي الأدب وفي التاريخ والاجتماع وفي الترجمة٠٠وعن المرأة وفي الفلسفة٠
ف” العقاد” لم يكن شاعرا أو أديبا أو مفكرا فحسب٠٠بل كان جامعة كبري٠٠أو أكاديمية تفتح أبوابها للجميع٠٠وكان عقلا موسوعيا٠٠كما كان فطرة إنسانية سلمت من الآفات وحباها الله بهذا النور الداخلي الذي يسمونه”الإيمان” ٠٠لقد كان قارئا عظيما قبل أن يكون كاتبا عظيما٠
من أقواله:
المال:لم أشعر قط بتعظيم إنسان٠٠لأنه صاحب مال٠٠إن لم يكن أهلا للتعظيم بغير المال٠
الحرية:لست أدري ما عسى أن تنسجه الأعوام المقبلة من سرابيل المجد والفخار٠٠وليس في ميسوري أن أحلم بما سوف ينال من الفتوح والمغانم في ميادين العقول٠٠ولكني أدري وأنا أنظر إلى بحر المستقبل اللجي أن شاطئ الحياة لن تمسه نعمة أنفس٠٠ولا بركة أندر من “الحرية”
الحياة:أتمنى أن أعيش ما دمت أشتهي أن أعيش٠٠أما إذا فقدت المجد ولذة القراءة والكتابة إلى غير ذلك من اللذات فإنني أفقد شهوة الحياة٠
نال”العقاد” جائزة الدولة التقديرية في الأدب في عهد الزعيم “جمال عبد الناصر” في عام ١٩٦١م٠٠وارتقي إلى الرفيق الأعلى في السابع عشر من فبراير١٩٦٤م عن عمر يناهز ٧٥ عاما٠٠
ملحوظة مهمة:لم يتزوج العقاد ولم ينجب ٠٠ولكن تظل ذكراه باقية٠٠فإن الذكرى للإنسان عمر ثاني٠
أخيرا وليس آخرا يظل”العقاد” متفردا في شخصيته٠٠مترفعا عاليا كالمنارة٠٠رحبا كالأفق٠٠قويا في معاركه كالأسد٠٠يغيب جسده ولا يغيب فكره وعلمه وثقافته ولا اسمه٠٠ويظل خالدا لا يغيب٠٠لأنه صار جزءا من مصرنا الأصيلة المعطاءة بلا حدود٠٠الغنية برجالها وثرواتها٠٠فقد كان رجلا واسع الاطلاع٠٠قوي الشخصية٠٠عنيد الرأي٠٠واضح البيان٠٠رائع الأسلوب٠٠متعدد الجوانب٠٠صادق الشاعرية٠٠مقبلا على الحياة٠٠ذائع الصيت٠٠بحر من الثقافة٠٠موسوعي المعرفةوالثقافة٠٠مقاتل عنيدفي كل معاركه الأدبية والسياسية٠٠لا يخشى لومة لائم_يرحمه الله رحمة واسعة_جزاء وفاقا لما قدم من ثقافة ومعرفة وفكر