أقلام حرّة
كشف حساب

بقلم : يحي سلامة
مع بداية طوفان الأقصي والعدوان الهمجي علي غزة بادرت إيران وحلفاءها في لبنان (حزب الله) واليمن (الحوثيين) وفي العراق وسوريا بدعم المقاومة الفلسطينية سياسيا وعسكريا عبر عمليات عسكرية واختطاف سفن وتوجيه ضربات صاروخية للقواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في العراق وسوريا فضلا عن الدعم السياسي الإيراني المعلن لحركات المقاومة الفلسطينية وفي القلب منها حركة حماس.
وقد فتح هذا الدعم السياسي والعسكري شهية العروبيين والإسلاميين لإعادة الحديث عن أطماع إيران في المنطقة وكراهيتها للعرب كعرق والتذكير بالخلاف المذهبي بين إيران صاحبة المذهب الشيعي والدول العربية صاحبة المذهب السني.
وصلت إلي درجة تكفير وتخوين من يثمن دور حزب الله أو الحوثيين في مساندة المقاومة الفلسطينية وقد تشارك في هذا صفحات من المثقفين والمفكرين والإعلاميين مع صفحات أناس عاديين ولكن اجتمع الكل علي التعصب العروبي والتعصب المذهبي في رفض كل ماتقوم به إيران وحلفاءها من أقوال أو أفعال.
وبرؤية سياسية محايدة بعيدة عن التعصب العروبي أو المذهبي نستطيع أن نقرر أن إيران قد ملأت الفراغ السياسي والعسكري العربي في بعض المواقع وأن العرب أنفسهم هم من أتوا بها في مواقع أخري حسب معطيات الوقائع السياسية والعسكرية في المنطقة.
1خلال الحرب الأهلية اللبنانية والتي استمرت 15 عاما متصلا منذ عام 1975حتي عام 1990 وماتخللها من الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إلي تونس دعونا نتساءل من بقي في لبنان من العرب ومن أهل السنة يدافع عن إستقلال أو بالأحري إستغلال لبنان والإجابة بسيطة لم تبقي غير حركة أمل الشيعية الموالية لإيران والتي أصبحت فيما بعد (حزب الله) بقي وحده في مواجهة جيش لبنان الجنوبي الموالي لاسرائيل وحمل لواء المقاومة لتحرير الجنوب اللبناني حتي تم انسحاب القوات الإسرائيلية من معظم مناطق الجنوب إلي منطقة مزارع شبعا عام
2في عام 2003 كان الغزو الأمريكي للعراق بمباركة ومساندة الدول العربية السنية والتي اضطرت أمريكا للإستعانة بالنفوذ الروحي لأيات الله المقيمين في (قم) واستغلال سلطاتهم الدينية لتسهيل إقامة أمريكا في المناطق الشيعية العراقية ومجابهة المقاومة المسلحة في مناطق أهل السنة (الفالوجا مثلا) حتي انتشرت مقولة أن أمريكا غزت العراق وتركتها لإيران
3فيما يعرف بثورات الربيع العربي والتي إمتدت إلي سوريا في ثورة ضد نظام بشار الأسد الذي واجه هذه الإحتجاجات الشعبية بإلقاء القذائف والبراميل المتفجرة علي شعبه الأعزل وعندما إستشعر الخطر علي كرسيه إستعان بالقوات الروسية والإيرانية لوأد الثورة وإبادة الثوار والمفارقة العجيبة في هذا الأمر أن هؤلاء العروبيين وأهل السنة من يتباكون علي الضحايا من أهل سوريا (العرب السنيين) وإبادتهم علي يد القوات الإيرانية الشيعية هم أنفسهم من يؤيدون نظام بشار الأسد ويصفون الثوار السوريين العرب من أهل السنة بأنهم جماعات إرهابية تريد تدمير سوريا (ولا تعليق علي هذه الشيزوفرنيا السياسية وإزدواجية المعايير) .
4 ولم تكن ثورة الربيع العربي في اليمن أسعد حالا من الثورة السورية فقد إستماتت دول الجوار في الحفاظ علي نظام علي عبد الله صالح ذلك النظام المنتهية صلاحيته وعمره السياسي الإفتراضي حتي إستغل صالح هذا الدعم وتلاعب بالجميع ليضع يده في يد الحوثيين (أعداءه التاريخيين) ليلقي مصرعه في الأخير وتأتي دولة الجوار برئيس ضعيف لا يصلح حتي لمنصب محافظ لإحدي محافظات اليمن لتجد قوات الحوثيين الطريق ممهدا أمامها للوصول إلي القصر الرئاسي وترد دول الجوار بعدوان عسكري علي اليمن لإعادة نظام (عبد ربه منصور هادي) بالقوة المسلحة وهو مافشلت فيه حتي هذه اللحظة منذ عام 2015 لينفرد الحوثيون (المدعومون من إيران) بالمشهد السياسي والإستراتيجي والعسكري في اليمن.
5وبالعودة لفصائل المقاومة الفلسطينية والتي ممكن أن نطلق عليهم (الأيتام علي موائد اللئام) فقد فقدت هذه الفصائل وهي جميعها فصائل علي مذهب أهل السنة بالمناسبة وعربية بالتاريخ والجغرافيا قد وجدت هذه الفصائل نفسها وحيدة في مواجهة عدوان وتوسع العدو الصهيوني الغاشم دون غطاء سياسي أو مساعدة عسكرية من دول الجوار بل وذهبت بعض دول الجوار العربي ودول عربية أخري ذات ثقل إقليمي إلي تصنيف هذه الحركات أنها حركات إرهابية وليست حركات تحرير ومقاومة بينما مدت إيران يدها لتلك الفصائل والحركات وساندتها سياسيا وعسكريا وشعبيا في عملياتها ضد المحتل الغاشم ولم تبخل في نصرتها.
6 ولا ينبغي أخذ هذا العرض أنه تحيز لإيران أو تبييض وجهها بل يجب فهمه في إطار سياسي محض فالعمل السياسي لأي دولة يقوم علي عاملين أساسيين العامل الأول هو ملأ الفراغ وكلما كان هناك فراغا سياسيا أو عسكريا يجب علي الدولة أن تتحرك لملأه والعامل الثاني (وهو مرتبط بالعامل الأول) أن تكون الدولة في محل إعراب الفاعل وليس في محل المفعول به وكلما كانت الدولة طموحة لأن تملأ الفراغ وتكون قادرة علي أن تكون هي الفاعل (سياسيا وعسكريا) كانت دولة كبري لها دورها وكلمتها المسموعة وأن تكون ضمن الحسابات الإقليمية والدولية.
وبإختصار شديد وبلغة السياسة إستطاعت إيران أن تكون دولة فاعلة ودولة تملأ الفراغ العربي في المنطقة العربية.
وعلي العروبيين والمذهبيين أن يلوموا حكوماتهم العربية والسنية الذين تسببوا في هذا الفراغ وإنتقالهم من خانة الفاعل إلي خانة المفعول به.