المميزةثقافة وقراءة

قراءة في مجموعة (مصدر قلق) للكاتب جمال عبد المجيد

 

 

 

بقلم/ إبراهيم عمّار..قاص وناقد أدبي

 

 

حينما يلتحم الكاتب بواقعه ومحيطه المعاش، ويشتبك معه بوضوح، يستطيع من خلال إبداعه صياغة هذا الواقع ورؤيته التى تنسجم مع ما ينتمي له من قيم جمالية وايديولوجية، وهذا ما تكتشفه منذ القراءة الأولى لنصوص مجموعة “مصدر قلق” للكاتب الرائع جمال عبد المجيد والصادرة عن دار يسطرون للنشر والطباعة، فقد استطاع الكاتب من خلال أسلوبه الصحفي المتميز، وسلاسة لغته، أن يقدم لنا مجموعة قصصية كما وصفتها الناقدة الجليلة ساجدة خليل “أنها تأكل الطعام وتمشي في الأسواق وتلتحم بواقع الحياة المعيشة “، وهو وصف بليغ ودقيق للمجموعة التى تضم تسع قصص، تدور في فلك تأثير المتغيرات الحديثة على واقع الحياة، وسوف أبدأ تعليقي على المجموعة بالقصة الخامسة حسب ترتيب وردوها بالمجموعة وهي عنوان المجموعة ككل ” مصدر قلق ” وهي عبارة عن أربعة مشاهد تعبر عن تأثير السوشيال ميديا ووسائل التواصل الاجتماعي، على حياة الأفراد في مراحل عمرية مختلفة، فهذا الشاب الذي تستخدمه الراقصة ليصور لها من خلال وسائل التوصل علاقاتها بزبائنها، والسيدة الأربعينية التى اكتشفت خيانة زوجها لها من خلال علاقاته النسائية عبر وسائل التواصل، وهند التى تخون زوجها مع عشاقها على وسائل التواصل حتى اكتشف زوجها خيانتها ، والجد نضال الذي تعلم على كبر طرق التواصل الاجتماعي وأدمنها حتى كانت سببا في انفصاله عن زوجته رغم كبر سنهما .

 

 

استطاع الكاتب باسلوبه الصحفي المميز، ولغته السلسة الصحفية أن ينقلنا داخل تجربة كل شخصية، ويعبر عنها بدقة وبساطة وتكثيف، دون الخوض في كثير من التفاصيل، فكانت المشاهد عبارة عن ومضات ذات بريق سريع تضيء منطقة ما، وكأنها تعطي جرس إنذار، ونجد ذكاء الكاتب في استخدام مفرداته بدقة، فهو يستخدم الفعل المضارع بكثرة في مشاهده، وكأنه يريد استحداث الصورة للمشاهد من خلال استخدامه للفعل المضارع، وكذلك عدم الميل لحروف العطف كأداة ربط للجمل بشكل رئيس، بل اعتمد على تلاحم الفقرات والجمل، وتسلسل الحدث، واستخدام أسماء الوصل، وهذا يدل على وعي الشاعر باستخدامه للمفردات وتقنياتها.

 

 

 

 

ومن القصة الخامس نعود للقصة الأولى، والتى تجسد قصة حقيقية كما قال الكاتب وأنه أعاد صياغتها في شكل قصصي حول تلك الفنانة التى أطلق عليها في القصة اسم إيريني في قصته التى حملت اسم “جبروت امرأة” والتى تحكي عن قصة فتاة يونانية في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي والتى أحبها رجل الأعمال الناحج محمد التاجي، فتقلب حياته رأسا على عقب، وتسرق كل أمواله، وتجعله يقتل كل عائلته، وتنتهي حياته على يديها، وتهرب إلي بلدها، ثم تعود بعد سنوات لتظهر كممثلة في فيلم سينمائي، ويُكتشف أمرها بالصدفة، والنص عبارة عن مشاهد أقرب للمشاهد السينمائية، حيث تنتقل بنا الكاتب بسلاسة من مشهد لمشهد ليروي لنا الحكاية بصيغة الرواي العليم، في جمل قصيرة وبسيطة وسهلة .

 

 

 

 

بينما تأتي القصة الثانية بالمجموعة تحت عنوان المحطة خالية، وهي من أقصر قصص المجموعة، والتى تتناول قصة عماد هذا الأربعيني الذي تعلق بحب سيدة أرملة، وظل ينمو بينهما الحب حتى اكتشفت أنها بهذا الحب ستدمر عائلة فقررت الرحيل، وهي تجسيد للتضحية بالذات من أجل إسعاد الأخرين، مشيرا هنا إلى النبل والأخلاق في الحب والبذل والعطاء بلا حدود.

أما القصة الثالثة من المجموعة تحت عنوان المهمة المستحيلة، والتى تروي لنا مشاهد لإقتحام رجال الشرطة لوكر من أوكار المخدرات، وتكشف لنا القصة مدى الفساد والخيانة لبعض النفوس المريضة والتى كانت تفضل مصالحها على مصلحة الوطن والشعب، حتى تمكنت الأجهزة من القبض على هؤلاء المجرمين، والقصة جاءت مسلسلة في مشاهد مرقمة سريعة الإيقاع قصيرة الجمل، لتناسب الجو البوليس الذي حكي به القصة فهو اختيار مناسب من الكاتب .

أما القصة الرابعة فعنوانها يدل على فحواها ” بائع الأرشيف ” فنحن أمام رجل يبيع كل شىء الأخلاق والمبادئ والشرف والعرض من أجل المال والمناصب، وهو حال يدل على تدني الأخلاق لدي البعض وانهيار القيم داخل المجتمع.

بينما القصة السادسة من المجموعة المعنونة بعنوان فيلم أجنبي قديم”وحدي في المنزل”، لكن في حدث مختلف، عن رجل يعيش وحيدا ويموت وحيدا حتى يُكتشف أمره صدفة، ويجدوه هيكلا عظميا على كرسيه، في مشهد محزن يدل على فقد الروابط الأسرية، وإهمال الأبناء للأباء، وتعد أقصر قصص المجموعة، فقد جاءت في فقرتين وعدد محدود من الجمل القصيرة .

 

 

 

بينما قصة “ديب فريز” وهي النص السابع في المجموعة، وهي تكملة لمشهد أنانية الأبناء تجاه الأباء، فنجد ليزا ترفض دفن أبيها حتى لاتفقد معاشه، وتلجأ لحيلة حفظ جثمانه في ديب فريز في مشهد يبين اللا إنسانية والتجرد من كل أخلاق من أجل المال في مشهد بالغ التأثير والخطورة لما وصل له المجتمع.

وفي ذات الإطار نجد تلك السيدة في قصة “بين معاشين ” ترفض أن تتزوج رسميا، وتختار الزواج العرفي من شخص يستغلها من أجل أن تحصل على معاش والدها وزوجها، وتكتشف في النهاية أنه يستغلها ويبلغ عنها السلطات.

وتأتي القصة الأخيرة في المجموعة تحت عنوان “يافرج الله” وهي تروي لنا قصة حب حسين وسعاد وزواجهما، ولكن تأخر إنجابهما يقلب حياتهما رأسا على عقب، حتى يضطران للسفر للقاهرة في رحلة علاج ، ولكن بعد فشل كل المحاولات يخضع حسين لرغبة والديه بالزواج من أخرى، وحينما يقرر ذلك يكتشف حمل زوجته، فيأتي الفرج من الله ويلغي فكرة الزواج حبا لزوجته الأولى، والنص يحمل قيم جمالية عن الوفاء والحب والإخلاص التى ضن وجودها في مجتمعاتنا هذه الأيام.

في المجمل فإن المجموعة تمتاز بلغة سلسة وأسلوب قصصي بارع تميز به الكاتب وعرض لوجهة نظره في كثير من القضايا ، ويؤخذ على الكاتب قلة الصورة داخل عملية السرد واعتماده على تقديم المواقف والحدث بطابع الحكي المباشر،وهذا طابع الكتابة الصحفية التي تسيطر على أسلوب المؤلف بحكم طبيعة عمله.

Ebrahem.amar@gmail.com

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق