أقلام حرّةالمميزة

رفح الفلسطينية.. خطط منزوعة الدسم لإنها حرب الإبادة!!

 

 

 

بقلم/على الفاتح

 

لا جدوى لكل الأوراق السياسية التى تطرحها الأطراف المختلفة لإنهاء حرب الإبادة فى قطاع غزة طالما لم تعكس قدرة أصحابها على معاقبة الكيان الصهيونى والضغط على الولايات المتحدة، مع استمرار خطوط إمدادات الطاقة والغذاء لدولة الاحتلال، ناهيك عما تقدمه واشنطن من مساعدات عسكرية لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو رغم ادعاءها رفض عملية اجتياح برى لرفح الفلسطينية خوفًا من سقوط المزيد من الضحايا المدنيين.

الرهان على دور حاسم للولايات المتحدة باعتبارها الفاعل الرئيس فى الشرق الأوسط لإجبار الدولة العبرية على التخلى عن خططها لاجتياح مدينة رفح الفلسطينية نوع من خداع النفس والاستغراق فى أحلام اليقظة؛ ففى الوقت الذى طرحت فيه خمس دول عربية (مصر – السعودية – الإمارات – قطر – الأردن) بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية خطة لإنهاء الحرب وبدء عملية سياسية لإيجاد مسار تفاوضى يفضى إلى حل الصراع من جذوره بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967؛ فوجئ الجميع بتقديم إدارة بايدن مساعدات عسكرية إضافية إلى جيش الاحتلال الصهيونى قدرها 2.5 مليار دولار شملت 25 طائرة حربية من طراز إف35 وأكثر من 1800 قنبلة زنة 900 كيلوجرام ومحركات طائرات وصواريخ للقبة الحديدية والتى تمكنت قذائف المقاومة الفلسطينية من استنزافها على مدار ستة أشهر من الحرب المشتعلة.

الإعلان عن الصفقة الأمريكية الجديدة جاء بعد اسبوع بالتمام والكمال من تقديم ما عرفت بالخطة العربية لإنهاء الصراع لوزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلنكن أثناء زيارته للمنطقة الخميس 21 مارس.

وزراء خارجية العرب طالبوا من بلنكن ردًا عاجلًا على خطتهم، وعلى ما يبدو اختارت واشنطن الإعلان عن الصفقة الجديدة لتكون الرد المناسب من وجهة نظرها.

الخطة المرتكزة على المبادرة العربية للسلام التى طرحتها المملكة السعودية عام 2002م تتحدث عن إنهاء فورى للحرب وعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة وإحياء مسار أوسلو باستكمال بنوده والتى من بينها انسحاب الكيان الصهيونى من أراضى الضفة الغربية والتوقف عن مصادرة أموال السلطة الفلسطينية وبناء مطار وميناء وسيطرة للقوة الأمنية الفلسطينية على المعابر؛ وفى تقديرى أن هذه الخطة ابتعدت كثيرًا عن تحديات الواقع الجديد الذى فرضته عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023.

فمن ناحية ترفض حكومة مجرم الحرب نتنياهو حل الدولتين وتصر على تهميش وإضعاف السلطة الفلسطينية، ورغم نصائح بعض الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين بضرورة الانفتاح على سلطة محمود عباس أبو مازن، يقول نتنياهو أن السلطة فى رام الله تريد إبادة إسرائيل شأنها شأن حماس لكنهما يختلفان فقط فى الأسلوب وطريقة العمل.

ومن ناحية أخرى يمكن الحديث عن ترسخ جذور وقواعد حركة حماس وباقى فصائل المقاومة الفلسطينية على نحو أعمق فى المجتمع الفلسطينى كونها أحد أبرز نتائج حرب الإبادة الوحشية التى يشنها الكيان المحتل على سكان قطاع غزة، وهو ما يعنى صعوبة تنحية حماس من أى معادلة سياسية لإدارة غزة فى مرحلة ما بعد الحرب، واللافت أن الخطة العربية لم تتطرق إلى هذا الوضع السياسى المعقد داخل المجتمع الفلسطينى سواء فى محافظات ومدن غزة أو محافظات ومدن الضفة الغربية.

من غير الواقع أن يتصور أحد انسحابًا اسرائيليًا من مناطق السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية فى الوقت الذى تؤكد فيه الحكومة اليمينية المتطرفة فى تل أبيب على ضرورة فرض السيطرة الأمنية الكاملة على قطاع غزة وهو ما يجعل الحديث عن العودة إلى مسار أوسلو دربًا من دروب الخيال المستحيل تحققه على الأقل فى المديين القصير والمتوسط.

ربما كان يتعين على الأطراف العربية وضع خطة لإنهاء النزاع السياسى بين الفصائل الفلسطينية وطرح تصورات من شأنها جعل منظمة التحرير الفلسطينية أكثر مرونة وقدرة على احتواء المؤسسات السياسية لفصائل المقاتلين على نحو يصلح جبهة الداخل الفلسطينى ويدفعها للتوحد حول استراتيجية للتعامل مع العدو المحتل وإدارة الصراع المعقد، استراتيجية لا تستبعد خيار المقاومة المسلحة المشرعن من قبل القانون الدولى بشرط توظيف هذا الخيار لخدمة المسار التفاوضى السلمى فى سياق عملية سياسية متكاملة.

القفز على حقائق الواقع بهدف اقصاء فصيل أو حركة فتح أبواب المناورة على مصراعيها أمام صناع السياسة فى البيت الأبيض وسمح لنتنياهو ممارسة لعبته المفضلة وهى كسب المزيد من الوقت حتى يتوصل مع إدارة بايدن إلى صيغة توافقية بشأن اجتياح محافظة رفح.

البيت الأبيض وفى سياق ردوده على ما يعرف بالخطة العربية لإنهاء الحرب فورًا طرح تصورًا لتشكيل قوة حفظ سلام داخل قطاع غزة قوامها قوات تابعة لدول عربية رفض تسميتها خوفًا من إفشاله؛ وفيما يبدو أن الدول العربية المعنية بهذا التصور ردت داخل الكواليس بالرفض القاطع، فهذه المرة ستقف قوات عربية فى مواجهة كتائب مقاتلين فلسطينيين.

وعلى الفور تم استبدال المقترح الأمريكى بمقترح آخر قائم على تشكيل قوة للسيطرة على قطاع غزة تضم نحو 20 ألف جندى أو شرطى تابعين للسلطة الفلسطينية تشرف الولايات المتحدة على تدريبهم وتقوم الدول العربية بتمويل هذه القوة ويكشف هذا التصور عن رغبة أمريكية فى أن تتولى الدول العربية عملية التمويل لهذه القوة العسكرية وما يرتبط بهذه العملية من عمليات إعادة الإعمار بما فى ذلك دفع كامل تكلفة تدشين ميناء بايدن المزعوم على ساحل القطاع.

مرة أخرى، لا مجال لنجاح هذا المقترح الأمريكى الصهيونى بما يحقق صالح القضية الفلسطينية وعملية السلام طالما غاب التنسيق السياسى بين جميع فصائل المقاومة الفلسطينية وفى مواجهتها حركتى فتح وحماس.

ومع ذلك ليس مستبعدًا أن يكون من بين أهداف هذا المقترح إذكاء الصراع المسلح بين فصائل المقاومة على أراضى قطاع غزة لتظل مبررات استمرار العدوان الصهيونى قائمة للأبد.

فى المقابل يكسب نتنياهو المزيد من الوقت بموافقته على الاستمرار فى التفاوض مع حركة حماس للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مؤقت وإنهاء أزمة الأسرى، فيما يبحث مع الأمريكيين سيناريوهات الاجتياح البرى.

خلاصة القول.. صحيح أن جانبًا من الرأى العام الأمريكى انتفض ضد حرب الإبادة فى غزة، لكن يبقى أن اللوبى الصهيونى صاحب الكلمة الفصل فى أى انتخابات أمريكية علاوة على أن للكيان الصهيونى وظيفة حيوية يقوم بها لصالح واشنطن فى الشرق الأوسط وهو ما يجعل أى رئيس أمريكى ينظر إلى مسألة دعمه باعتبارها مصلحة عليا وأمن قومى للبلاد.

أى خطة عربية لن تؤتى ثمارها طالما اكتفت بالمناشدات والمطالبات ولم تنطوى على تلويح باستخدام ما يملكه العرب من أوراق ضغط اقتصادية ودبلوماسية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق