أقلام حرّة

د رضا محمد طه يكتب عن تغيير المناخ وإنتشار الأمراض

تغيير المناخ وإنتشار الأمراض
الأمراض المعروفة والتي تصيب البشر أكثر من نصفها يمكنها أن تتفاقم بسبب إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري، حيث تؤكد نتائج الأبحاث التجريبية علي أن أكثر من 58% أي ما يزيد علي 200 من الأمراض البشرية سواء التي تسببها الفيروسات مثل حمي الضنك وإلتهاب الكبد وزيكا أو التي تسببها البكتريا مثل الإلتهاب الرئوي أو التي تسببها الأوليات مثل الملاريا فضلاً عن الامراض التي تسببها الفطريات أو النباتات. زادت وتيرة تلك الأمراض وتفاقمت بسبب الأخطار المناخية، كما أكدته نتائج الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة هاواي في مانوا ونشرت 8 أغسطس الماضي في دورية Nature Climate Change.
تطرقت الدراسة إلي أمثلة تجريبية حول تأثير 10 مخاطر مناخية حساسة لإنبعاثات غازات الإحتباس الحراري “جي إتش جي GHG” وذلك علي كل مرض معروف من الأمراض البشرية. إشتملت هذه المخاطر علي العديد من الظواهر منها الإحترار والجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات والأمطار الشديدة والفيضانات والعواصف وإرتفاع مستوي سطح البحر والتغيير الكيميائي للمحيطات (مثل زيادة الحموضة) وكذلك تغيير الغطاء الأرضي والكساء النباتي.
قام الباحثون في هذه الدراسة بمراجعة الوثائق المسجلة لجميع أنواع العدوي والوبائيات والجائحات والتي أصابت وأثرت علي البشرية وذلك من خلال مراجعة 7 آلاف ورقة علمية منشورة حيث تم الربط بين الأمراض المعروفة وما حدث من تغيير مناخي وكذلك المخاطر المناخية. كشفت النتائج عن أن الإحترار والأمراض والفيضانات والجفاف والعواصف وتغير الغطاء الأرضي وتغير مناخ المحيط والحرائق وموجات الحر وكذلك التغييرات في مستوي سطح البحر جميعها كان لها تأثير واضح علي إنتشار الأمراض التي تسببها الفيروسات والبكتريا والفطريات والأوليات والنباتات وغيرها. الكثير من تلك الأمراض تنتقل عن طريق نواقل مثل الحشرات، وبعضها ينتقل عن طريق الماء والأغذية أو عن طريق الجو أو بالإتصال المباشر.
تعمل الاخطار المناخية علي زيادة الإتصال والتقارب بين مسببات الأمراض والناس، حيث تسبب المخاطر المناخية زيادة مساحة وكذلك التكيف البيئي لتلك المسببات، ويساعد كذلك في التوسع المكاني والزمني للنواقل ومسببات الأمراض. علي سبيل المثال، إرتبطت التغيرات المناخية مثل الإحترار وهطول الأمطار بزيادة وتوسع في نطاق النواقل مثل البعوض والقراد والبراغيث والطيور والعديد من الثدييات المتورطة في تفشي الفيروسات (مثل الخفافيش) ونقل البكتريا والحيوانات والأوليات، بما في ذلك مرض حمي الضنك والشيكونجونيا (حيث تسبب تغيير حمض أميني في بروتين هذا الفيروس بسبب طفرة في توسيع نطاق نوع البعوض الذي ينقله) ونقل كذلك الطاعون والملاريا، كما ساعدت الأخطار المناخية في تحسين ملاءمة المناخ لتكاثر مسببات الأمراض وتسريع دورة الحياة وقصر فترة الحضانة ومن ثم زيادة في تواجدها والشدة الإمراضية لها، علي سبيل المثال تؤدي موجات الحر إلي جعل بعض الفيروسات مقاومة للحرارة كضغط إنتخابي، مما يزيد من إنتشارها وإصابتها للبشر، وكذلك ما يحدث من ركود للمياه علي سبيل المثال بسبب العواصف والأمطار الغزيرة والفيضانات، فيؤدي ذلك إلي زيادة مناطق وتكاثر البعوض ومجموعة مسببات الأمراض التي تنقلها مثل داء الليشمانيات والملاريا وحمي الوادي المتصدع والحمي الصفراء وإلتهاب الدماغ وحمي الضنك وحمي غرب النيل.
كما تورطت الأخطار المناخية أيضا في النزوح القسري للأشخاص وهجرة الناس بما ترتب عليه تداعيات تمثلت في زيادة إتصالات جديدة مع مسببات الأمراض، علي سبيل المثال، إرتبطت موجات الحر بإرتفاع حالات الإصابة بالعديد من الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا وإلتهاب السحايا وإلتهاب الدماغ الاميبي التي تسببها أميبا Naegleria fowleri وكذلك إلتهاب المعدة والأمعاء. هذا وتسبب العواصف والفيضانات وإرتفاع مستوي سطح البحر نزوح البشر المصابين بحالات مثل اللولبية النحيفة Leptosporiosis والكريبتوسبوريديوس وحمي لاسا وداء الجيارديا وإلتهاب المعدة والامعاء وأمراض الكوليرا والليجيوناريس Legionnaries والسالمونيللا والشيجيللات والإلتهاب الرئوي والتيفود وإلتهاب الكبد وأمراض الجهاز التنفسي والأمراض الجلدية وغيرها.
أما في ما يتعلق بالإنسان ونتيجة للأخطار المناخية، فيحدث أن يفقد قدرته علي التعامل مع مسببات الأمراض وذلك بسبب تغيير في حالة الجسم، ويزيد كذلك الضغط الناتج عن التعرض للظروف الخطرة، وكذلك إجبار الناس علي العيش في ظروف غير آمنة، وكذلك إلحاق الضرر بالبنية التحتية والتي من تبعاتها زيادة التعرض لمسببات الأمراض ناهيك علي أنها في بعض البلدان تحد من الوصول إلي أماكن الرعاية الصحية. يؤدي الجفاف علي سبيل المثال إلي سوء الصرف الصحي مما يتسبب في زيادة حالات أمراض التراكوما والكوليرا والكلاميديا وإلتهاب الملتحمة، والكريبتوسبوريديوم وأمراض الإسهال والدوسنتاريا وبكتريا القولون إيشريشيا والجيارديا والسالمونيلا والجرب وحمي التيفود وغيرها من الأمراض الأخري، بما يستدعي تضافر الجهود العالمية لإنقاذ الحياة وخاصة للأجيال المقبلة وذلك بالتقليل والحد من الإنبعاثات المتزايدة المستمرة من غازات الإحتباس الحراري والذي نتمني أن تكون ضمن توصيات مؤتمر المناخ والذي سوف يعقد بمشيئة الله متصف نوفمبر 2022 في شرم الشيخ مصر.
دكتور رضا محمد طه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق