أقلام حرّة
تطور جغرافية موقع وموضع مصر من فكر جمال حمدان إلى الجمهورية الجديدة .
مصر دولة طريق موقعا وموضعا .. تاريخا وحاضرا
ولقد اكتسبت مصر تلك الأهمية بفضل الموقع الجغرافى الأمثل فى الموضع الطبيعى ولقد أثر الموقع والموضع فى رسم حضاراتها والاستفادة من الحضارات المجاورة
وكما وصف جمال حمدان هى المدخل الطبيعى الحتمى الشمالى الشرقى لأفريقيا .
وهى خاصرة العالم يضيق فيها اليابس أكثر ما يضيق ويتقارب الماء أكثر مما يتقارب .
بؤرة العالم وموقع حاسم يجمع بين المركزية والتوسط وبين المدخلية والبوابة وبين العقدية والبؤرية جميعا .
مصر دولة طريق بفضل برزخ السويس ثم قناة السويس .
وإن وجود نهر النيل يضاعف من قيمة الموقع الجغرافى ثقلا وثراء وإذا كان كلا من الموقع والموضع يضفى كلا منهما أثره ويعكس وزنه على الآخر فإن القيمة الحقيقية لكل إنما تتحقق بفضل النيل ولذا أكد جمال حمدان على أن مصر تدين لموضعها أكثر من موقعها وأكد على ديناميكية الموقع وحتمية الموضع .
وإذا كان ما ذكره حمدان هو كان معبرا عن فترة معينة لكننا نتفق فى ديناميكية الموقع فما زال ينتظر الموقع متغيرات وآمال وطموحات ، وما تعده الآن من مشروعات قومية وطرق فما هو إلا خروج وثورة على حتمية البيئة الطبيعية للنهر الذى هو حياتنا والتصقنا به والتوسع فى الصحارى شرقا وغربا وشمالا وجنوبا .
ولقد تحدث حمدان فى تطور موقع مصر الجغرافى عن خمسة مراحل :
الأولى : دور التكوين فى العصور القديمة وتحدث فيها عن التجارة الإقليمية فى المنطقة .
الثانية : دور النضج فى العصور الوسطى المبكرة وتحدث فيها عن اتساع نطاق تجارة المرور العابرة من الشرق للغرب وخاصة فى ظل وجود قناة خليج أمير المؤمنين .
الثالثة : دور القمة .
وتحدث فيها عن الاحتكار المطلق لكل التجارة وفى الوقت الذى أثرت الحروب الصليبية على العراق والعالم العربى بينما كان تأثيرها ضئيلا على مصر ونقل شرايين التجارة داخلها من الطرق الشمالية الساحلية إلى الطرق الجنوبية وازدهار مجموعة من مدن الجنوب مثل قوص واخميم وعيذاب .
الرابعة : دور الحضيض .
واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح والذى كان ضربة قاصمة لمصر حيث أحدثت أسرا نقليا transport capture كاملا سلب مصر موقعها الممتاز وتركها قبوا مصمتا بعد أن كانت الممر التجارى العالمى بامتياز . لذا فقد جفت شرايين التجارة والدخل حينها .
الخامسة : دور القمة الثانية . قناة السويس .
حيث تم افتتاح القناة فى عام ١٨٦٩ وكانت هدية مصر إلى العالم وبفضلها تجدد شباب موقعها الجغرافى ووضعت يد مصر على نبض العالم كله وأعطتها نافذة أو طاقة على الدنيا على حد وصفه وعليه وضع كتابه قناة السويس نبض مصر .
وإذا كان لحمدان أن يكمل تطور الموقع لتحدث عن ديناميكية الموقع والموضع وتخلى قليلا عن مبدأ الحتمية البيئية الشديدة المتمثلة فى موضع مصر النيل العظيم .
ولذا فإننا إذا اكملنا مراحل تطور موقع مصر الجغرافى ومن مفهوم الجمهورية الجديدة لأضفنا ثلاث مراحل أخرى وهى كالتالى :
المرحلة السادسة :
التكاملية بين الموقع والموضع .
حيث أصبحت مصر بفضل إنشاء الكثير من الطرق التى تربط الموانئ البحرية على السواحل بالظهير الداخلى وربطها بمراكز الإنتاج وأسواق الاستهلاك ومراكز توزيع وتحميل الحاويات والمراكز اللوجيستية والموانئ الجافة وكذلك ربط الموانئ البرية الحدودية بشبكات الطرق فى الداخل مثل موانئ رفح والعوجة فى الشمال الشرقى وطابا على خليج العقبة وميناء السلوم فى الشمال الغربى وموانئ قسطا وارقين ورأس حدربة فى الجنوب والتحرر من حتمية النهر المغناطيس البيئية الطبيعية والمعابر والمحاور النيلية واستكمالها واختراق الصحارى وسهولة الوصول للمناطق الحدودية والتزامن المكانى والزمانى للمشروعات والعبور الجديد عبر قناة السويس من خلال الانفاق الستة
المرحلة السابعة : مراكز لوجيستية شمالية وجنوبية ومركزا إقليميا للطاقة وجارى الآن استكمالها وتشمل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس فى الشمال الشرقى بما تضمه من موانئ ومناطق تنموية عمرانية واقتصادية ،والمثلث الذهبى جنوبا ومراكز الطاقة فى الشمال على البحر المتوسط .
المرحلة الثامنة :
مصر عقدة رئيسية بريا وبحريا على طريق العالمية .
وذلك يستلزم استكمال مشروعات التنمية القومية والتنمية المستدامة وتحقيق أهدافها فى كافة القطاعات التنموية وتفعيل الاتفاقيات الخاصة بالتكتلات الإقتصادية على كافة الاتجاهات الجغرافية فى اوروبا شمالا وأفريقيا جنوبا وآسيا شرقا والأمريكتين غربا ، وكذلك تطوير علاقاتها الدبلوماسية مع الدول وزيادة المحافظة على أمنها القومى من خلال العمق الاستراتيجى شرقا وغربا وشمالا وجنوبا .
ومما سبق فإن الخروج عن نظرية الحتمية ترتكز على التحول والبناء والتغيير والذى استهدفته الجمهورية الجديدة وعمليات العبور الخمسة .
العبور الاول : العبور من الاستاتيكية للنهر المغناطيس الى التحرك الديناميكى شرقا وغربا مع تعديل بعض الحدود الإدارية للمحافظات .
العبور الثانى : العبور الاقتصادى والاستيراتيجى نحو سيناء والتحرر من اقتصار التنمية غرب قناة السويس فقط إلى العبور نحو شرق القناة وتنمية سيناء .
العبور الثالث . العبور إلى البحار عسكريا من خلال القواعد العسكرية البحرية واقتصاديا من خلال مراكز الطاقة والموانئ المحورية الكبرى والتجارية والمتخصصة والتوجه نحو الاقتصاد الأزرق .
العبور الرابع : العاصمة الإدارية الجديدة وعمليات التنمية العمرانية والاقتصادية شرق القاهرة .
العبور الخامس : عبور نحو الاستقرار والقضاء على منابع الإرهاب والتطرف .
ولذا تهدف عمليات العبور إلى تحقيق التنمية الشاملة المستدامة وأن تصبح مصر عقدة لوجيستية على طريق العالمية وعبر سلاسل الإمداد العالمية مع تعزيز دورها الدبلوماسى والعسكرى والاقتصادي على الساحة الدولية إقليميا وعالميا .
ا .د منى صبحى نور الدين
أستاذ الجغرافيا الإقتصادية والنقل جامعة الأزهر .