المميزةمقال رئيس التحرير
العملية… بورتو سعيد
و... إسحاق روحي هو رئيس تحرير جريدة منبر التحرير التي أسسها عقب تركه رئاسة تحرير الأنباء الدولية التي تحولت على يديه لأهم جريدة أسبوعية نافست النبأ الوطني والأسبوع وصوت الأمة كأبرز صحيفة أسبوعية أسسها ورعاها الكاتب الصحفي المؤسس جمال الشويخ

بقلم..جمال عبد المجيد
كنت أتحين الفرصة مرة تلو الأخرى ؛ لأكتب عن شخصية مقربة إلى قلبي ، محببة إلى نفسي ، لكنني لم أمسك بتلك الفرصة على الإطلاق، وإن صح التعبير أجدها غير مواتية، وكلما حاولت الاقتراب منها وجدتها تفر مني فرار الذئب من الأسد ، وشاءت الأقدار أن تأتيني تلك الفرصة عند مفرق رأسي، فأمسكت بتلابيبها هذه المرة ولم أشأ أن أفلتها بل حرصت على اقتناصها ..

دعوات متكررة متبادلة مني ومن الكاتب الصحفي الصديق شريف سليمان رئيس تحرير جريدة مصر المستقبل ؛ لأن نلتقي معا ، لكن الظروف كانت تحول دون هذا اللقاء ، فتارة أدعوه لحضور توقيع المجموعة القصصية مصدر قلق ، فيعتذر لانشغاله ، وتارة يدعوني لقضاء يومين إحازة لشم النسيم العليل في رحلاته المتكررة فانشغل …، وعلى هذا الحال لا يأتي لقاءنا متمما إلا في هذه الصدفة العجيبة …

تحادثنا أنا وسليمان ليؤكد دعوتي لزيارة مدينة بورسعيد الباسلة ، ولهذة المرة سنحت الفرصة لأن نلتقي لأول مرة منذ 2013 عندما زرته في الجريدة وكانت زيارة انتخابية أثناء خوضي لانتخابات مجلس نقابة الصحفيين ، وهو اللقاء الأول بعد أن تركت الأنباء الدولية التي كنت أعمل بها مع الراحل العزيز الأستاذ جمال الشويخ ورئاسة تحرير الكاتب الصحفي الكبير إسحاق روحي محور هذه المقالة الذي التقيته مصادفة مع الصديق شريف سليمان…


و… إسحاق روحي هو رئيس تحرير جريدة منبر التحرير التي أسسها عقب تركه رئاسة تحرير الأنباء الدولية التي تحولت على يديه لأهم جريدة أسبوعية نافست النبأ الوطني والأسبوع وصوت الأمة كأبرز صحيفة أسبوعية أسسها ورعاها الكاتب الصحفي المؤسس جمال الشويخ الذي حولها من صحيفة تصدر بترخيص أجنبي إلى مؤسسة مصرية صحفية تنافس المؤسسات الصحفية المستقلة …

وكنت قد انتقلت للعمل في الأنباء الدولية بمقرها القديم بالدقي في العام 2004 ، وكانت الصدفة أيضا وراء هذا الالتحاق ؛ لأجدني أمام رئيس تحرير عملاق ، يدير منظومة تحريرية مختلفة ، ويتبع فيها المعايير الصحفية السليمة ، فضلا عن تواضعه الشديد الذي قربني أكثر من مكتبه المفتوح طيلة الوقت للجميع وعلى رأسهم صحفيي الجريدة …
كنت في ذلك الوقت أتلمس الخطى نحو عالم الصحافة الرحيب، الملئ بالمغامرات المصحوبة بالمتاعب الشديدة ، وكنا نجلس في صالة التحرير لحضور الاجتماع الأسبوعي ، في حضور رئيس مجلس الإدارة جمال الشويخ ورئيس التحرير ونواب رئيس التحرير منهم الصديق العزيز السيد عبد الفتاح وخالد عبد الرؤوف ونجم التحقيقات الرياضية الكاتب الصحفي شريف سليمان كانوا ملئ السمع والبصر ، كانوا يعلمونا دون توجيه ، ويساعدونا دون كلل أو ملل..

يوم الجمعة .. هو اليوم الذي حدده الصديق شريف سليمان للسفر إلى بو رسعيد في زيارة استغرقت يومين التقيت الأستاذ إسحاق روحي الذي لم أره منذ عام 2006 بعد أن انتقلت إلى صوت الأمة ، رغم أنه دائم التواصل تليفونيا في الأعياد والمناسبات الدينية ، و في هذا اليوم أحاطت بي السعادة من كل اتجاه لرؤيته ، لأتذكر معه تلك السنوات التي قضيتها في الأنباء الدولية تحت رئاسته ، وكيف كان داعما للجميع ويمتلك قلبا أبيضا يحمل الحب لكل الناس ، ولم أره يتغيب عن اجتماعات الجورنال رغم انشغالاته الكثيرة ، الأمر الذي علمنا كيف هو عمل رئيس التحرير وكيفية الإدارة التحريرية المحترفة…
سافرنا معا إلى بورسعيد ونزلنا بفندق الريستا وجلسنا معا على طاولة الطعام وتجاذبنا معا أطراف الحديث ، فرأيته وقد ملئ زين الشعر الأبيض رأسه الرجل الذي تعلمنا على يديه مشيدا بتجربة صوت الوطن التي تأسست في عام 2013 ووجدته متابعا جيدا لما ننشره في صوت الوطن ، وهو دعم لو تعلمون عظيم ..
57 عاما …هو عمر الكاتب الصحفي إسحاق روحي الذي أفناه في تلك المهنة التي قدم إليها من محافظته قنا ورغم تحضره في جنبات القاهرة والجيزة ، إلا أنه لا يزال يحتفظ بلكنته الصعيدية المحببة ، وكنا دائما ما نردد كلمة الجورنال التي ينطقها دائما وأبدا ولم ندرك معناها وتأثيرها إلا بعد أن أصبحنا رؤساء تحرير…
وفي ليلة الجمعة ..وعقب زيارتنا لبورتو سعيد وهي إحدى مشروعات منصور عامر وحضورنا جانبا من الحفل المقام للفنان محمد حماقي ، وعندما هممنا بالانصراف للرجوع إلى الفندق ، وجدتني ضللت الطريق إلى الأتوبيس الذي ينتظرنا في تلك الليلة الصاخبة والمزدحمة بسبب انطفاء هاتفي وفروغ البطارية من الشحن ، وما بين مكان السيارة ومكان الحفل كانت المفاجآت التي كانت تنتظرني وتنتظر مجموعة كبيرة من الزملاء الأعزاء من الكتاب والصحفيين والإعلاميين رفقاء الرحلة…
فقدت الاتصال …لم أستطع التواصل مع أحد …
وكان أخر اتصال مع ابنتي سجود والمكالمة لم تستغرق دقيقتين ثم بدأت الاتصال بالصديق العزيز الكاتب الصحفي سيد عبد الفتاح رئيس تحرير موقع الإنتماء وعندما لم يستجب للإتصال فورا دون تردد طلبت الأستاذ إسحاق روحي لكن الشبكات كانت ضعيفة وانطفأ الهاتف بعدها ؛ لتبدأ مرحلة تائه في بورتو سعيد التي تبعد عن المحافظة قرابة 50 كيلو متر والوصول إليها أو الخروج منها في تلك الليلة تحديدا يعد ضربا من المستحيل ؛ نظرا للزحام الشديد والتكدس الكبير ، الأمر الذي جعل حفل حماقي يتأخر لمدة ساعة كاملة ؛ نظرا لصعوبة وصول الفنان إلى خشبة المسرح ، مما حدا بمدير أمن بورسعيد للتدخل شخصيا لضبط إيقاع حركة المرور وتسييل حركة الطرق ..
احترت في أمر نفسي ..وأمر رفقاء الرحلة… وتحدثت مع نفسي ..و.. وضعت نفسي مكان الزملاء ..ترى ماذا يفعلون لو تغيب زميل لهم
جاءتني الإجابة تمشي على عجل…فورا ذهبت إلى مكان الأتوبيس الذي كان يقلنا…فلم أجده…
عدت إيابا أمام البوابة الرئيسية ؛ على أشاهد أحد من الزملاء…فقبصت قبض الريح…
عدت مرة أخرى للبوابة الثانية ..فرجعت بخفي حنين…
قررت العودة إلى الفندق بأي طريقة أو سيلة ..فلم تؤت أكلها…
رفقائي ينتظرون في مكان ما ..في أرض البورتو ولا أعرفه .ولم يتحرك الأتوبيسين الذين يقلون وفد الصحفيين قيد أنملة من تلك البقعة المجهولة لي ..
شريف سليمان … يفترش الرصيف بعد عناء ساعتين من السؤال عن الصحفي المختفي في جميع أنحاء البورتو دون جدوى ..
الزملاء ساورهم القلق ويتشاورون فيما بينهم عن سبب اختفاء زميلهم ؛ لتقفز فكرة إبلاغ نقابة الصحفيين إلى ذهنهم وإبلاغ مديرية أمن بورسعيد باختفاء صحفي وإصدار بيان بهذا الشأن ، …
شريف سليمان..أقسم برأس جده البني سويفي ألا يغادر البورتو حتى يستجلي المصير الغامض ؛ ليتصل بإدارة الفندق مستعلما عن وصولي من عدمه لتأتيه الإجابة بالنفي القاطع…
تبدأ مرحلة أخرى من الأسئلة عن صحتي أو التاريخ المرضي لي ؛ عله يكون مفتاح الإجابة ..لكن دون جدوى ، ليخبرهم صديقي سيد عبد الفتاح رفيق الغرفة 225 بأن ليس لدي أمراض مزمنة كالسكري والضغط ؛ لتصبح المعادلة أصعب من فيزياء اينشتاين…
بصعوبة بالغة …وقفت على الإتجاه المعاكس للذهاب إلى الفندق بوسط البلد، وعبثا حاولت إيقاف تاكس أو أي سيارة خاصة أو غيرها ومع العتمة الشديدة إيذانا ببدء دخول الساعة الثانية ليلا ، لم أستطع تمييز السيارات القادمة باتجاهي بعد أن ” ضرب” أصحاب السيارات الضوء العالي على الطريق السريع الأمر الذي زاد من صعوبة الرجوع بطريقة آمنة وسط صحراء قاحلة مظلمة…
قدرا…استجابت سيارة لإشارات يدي المتكررة ، وقبل أن استقلها وجدت فتاتين بالخلف فاحترت في نوع تلك الوسيلة أهى خاصة أم عامة وعدم التمييز نابعا من العتمة الشديدة وقبل أن استقل تلك السيارة سألته عما إذا كانت خاصة أو سيلة نقل عامة لتأتيني الإجابة بأنها تاكس بورسعيد فطلبت منه توصيلي إلى الفندق ريستا الذي أكد لي أنه يعرفه ..وركبت…وسرنا مسرعين .
أحاديث هامسة من خلفي…بنتان في عمر الزهور يتهامسان عن كواليس حفل محمد حماقي ، وعن الضيف الغريب الذي استوقفه سيارتهم ، بينما السائق مشغول في مكالمة هاتفية مع صاحب السيارة بسبب الوردية، وإذا بذهني شارد لا يتوقف عن التفكير في مصيري ومصير الزملاء الأعزاء الذين ضربهم القلق والانتظار….
السائق قطع الطريق قطعا… وعدى الكمين الرئيسي بعد انتظار طال 15 عشر دقيقة ، وما إن دخل البلد حتى تنفست الصعداء ” أنا على الطريق الصحيح” وإذا بالسائق ينحرف يمينا فجأة في شارع أكثر إظلاما ” عاد القلق مرة أخرى” لكنه يستأذنني أن نوصل الفتاتين إلى عنوانهم المنشود ” اطمأننت مرة أخرى” نزلت الفتاتان عند وجهتهم ولم تعط أيا منهم السائق أي نقود ” أكيد دافعين اونلاين ” انطلق ليعود إلى المسار الصحيح على الطريق ” حمدت الله لعونه ورعايته” بدأ السائق يدردش معي ويسألني بغته ” حضرتك كنت في الحفلة مع حماقي” لأرد في نفسي ” والله لو عرفت القصة لتنزلني في أقرب محطة” وهكذا بدأ السائق لطيفا ويفاجأني مرة أخرى” والله الواحد احتار مع الحجاج دول ” أعود لأسأله مالهم حجاج بيت الله الحرام” يندهش ويضحك ضحكة خفيفة ” لا الحجاج هنا دول نوع تاني هحكيللك قصتهم مع المحافظ ” براحتك إحك ” وفي ذهني قلق كاد أن يفجر السيارة بمن فيها ومن حولها…( الحجاج والسائق)المقال القادم..
وصلت الفندق…طلبت محاسبته ” طلباتك إيه”
اللي تجيبه
لأ…اللي انت تقول عليه…
طب…دي كويسة
رضا جدا….
كانت ورقة فئة الخمسين جنيها…ظننته لن يأخذها لكنني عرفت فيما بعد أنك تستطيع أن تجوب بورسعيد من أقصاها إلى أقصاها بعشرين جنيها فقط…نظرا لتحديد المحافظة لتعريفة الركوب بل والتشديد على الجميع للالتزام بها….
الساعة تشير إلى الثالثة إلا ثلث…هدوء شديد ..بله قاتل…لا مظاهر لوجود ما يقرب من 50 صحفي وإعلامي في بهو الفندق ، أقشعر بدني وخفق قلبي وقلت في نفسي …زملائي لسه مجوش…
اقتربت من استقبال الفندق..أسأل عن الزملاء…وشريف سليمان…بصفته منسق ومهندس تلك الرحلة…تجئ الإجابة قاتلة…في سويداء القلب..
حضرتك الأستاذ جمال عبد المجيد ؟!!
أيوة …
زمايلك قالبين عليك الدنيا ..هم مستنيك هناك..
أنا…كالمطعون…أصابني القلق عليهم…والخجل من نفسي ..وكيف لا ..وقد طال انتظارهم وهم يبحثون عني…
أسرعت إلى الغرفة ..تناولت شاحن الهاتف….أجريت اتصالي بالصديق شريف سليمان ….أنا كويس وفي الفندق ..وكلي اعتذار لكم …
تمر الساعة…وأنا أقف في شرفة الغرفة ..مترقبا وصول الزملاء …مفكرا في طريقة للإعتذار عن قلقهم وتأخيرهم عن العشاء ومنعم من راحتهم ….
أمسكت هاتفي …و شرعت في كتابة رسالة إعتذار ربما تفيد في تخفيف حدة الأجواء الملتهبة مما حدث…
وقد التقيت في تلك الرحلة مع الأعزاء الكاتب الصحفي والإعلامي ماجد علي رئيس تحرير جريدة الأموال والكاتب الصحفى سامح فرج والكاتب الصحفى الصديق محمد بحيري والكاتب الصحفى محمود ربيع والكاتب الصحفى عصام عبد الجواد والكاتب الصحفي أحمد عمر رفيق الرحلة ومجموعة من الزملاء الأعزاء الذين التقيتهم لأول مرة ممن ساورهم القلق من جراء ما حدث
المقال القادم
السائق…وحجاج بورسعيد…وأنا